هل تورطت اجهزة الاستخبارات البريطانية بطريقة غير مباشرة في اعمال التعذيب التي تعرض لها مشتبهون بارتكاب اعمال ارهابية أسوة بالوكالات الأجنبية الاخرى؟ سيكون امراً جيّداً لو كانت الإجابة سلباً على هذا السؤال، إلا أن هذا الموضوع الشديد الحساسية محاط بالشائعات والتكذيب في بريطانيا وفي الخارج، وأظنّ أنه في بعض الحالات كان للاستخبارات البريطانية دور. فالمملكة المتحدة هي حليف عسكري واستخباراتي مقرّب من الولاياتالمتحدة، وقد أساءت هذه الأخيرة التصرّف إلى حد بعيد عندما لجأت إلى التعذيب منذ الاعتداءات على نيويورك وواشنطن في أيلول (سبتمبر) 2001. ويبدو أنه كان من الصعب على العملاء البريطانيين أن يبقوا نظيفي الكفّ في ظلّ خلفية مماثلة. وفي هذا الإطار، دعت منظمة العفو الدولية (امنستي انترناشونال)، وهي منظمة تحظى باحترام متزايد، الحكومة البريطانية إلى فتح تحقيق تحت إشراف قاض، لمعرفة ما إذا كان فريق الاستخبارات البريطاني على علم بسوء معاملة السجناء المدانين بأعمال إرهابية في الخارج. وأعلن المتحدّث باسم منظمة العفو الدولية ما يلي: «تُعتبر أي إشارة تدل على أن المملكة المتحدة كانت راضية عن الحصول على معلومات نتيجة اعمال تعذيب، خطيرة للغاية. فقد يتمّ اعتبار ذلك بمثابة قبول مبطّن باللجوء إلى التعذيب كما أنه يعطي الضوء الأخضر لممارسة المزيد من التعذيب». وقالت «مؤسسة رمضان» التي تضمّ مجموعة من الشبان المسلمين: «وحده التحقيق العام كفيل أن يعيد الثقة. فإذا استمرت الحكومة البريطانية في رفض هذا الطلب، سيستنتج الشعب البريطاني أن حكومته كانت متواطئة في ممارسة التعذيب». وقبل أن يستأنف مجلس العموم جلساته بعد عطلة الصيف الطويلة، عبّر عدد من النواب عن قلقهم حيال هذا الموضوع. فاعتبر مثلاً أندرو ديسمور، وهو نائب عن حزب العمال ورئيس لجنة حقوق الانسان في مجلس العموم، أن اللجنة ترغب في أن تقوم ببعض التحقيقات. لكن تم ابلاغه أن كلاً من وزير الخارجية البريطاني ديفيد ميليباند المسؤول مباشرة عن عمل جهاز الاستخبارات «أم آي 6» ووزير الداخلية الجديد ألان جونسون المسؤول عن جهاز الاستخبارات «أم آي 5» غير مستعدين للمشاركة في هذه التحقيقات. وطالبت لجنة الشؤون الخارجية في مجلس العموم بالاطلاع على التعليمات التي أُعطيت إلى عملاء الاستخبارات حول كيفية إجراء الاستجوابات التي تحصل في الخارج. إلا أنه من غير المرجّح إعطاؤها هذه المعلومات. وأعلن وزير الدولة للشؤون الخارجية إيفان لويس أن وزارة الخارجية تأخذ مسألة التعذيب على محمل الجد، إلا أنه شدّد على أهمية «التعاون» مع الوكالات الأجنبية، فعمد برأيي في هذا الموضع إلى إفشاء معلومات سرية. أنا أقرّ بأن الوقائع الكاملة ليست متوافرة وأود أن أعطي الحكومة البريطانية قرينة الشك. إلا أنني كنتُ أتابع هذه المسألة عن كثب منذ أيلول 2001 علماً أن الحكومة مجبرة أن تكون في موقع دفاعي. فلم تكن منفتحة مع البرلمان على وسائل الاستجواب التي استخدمتها الولاياتالمتحدة و«عمليات التحقيق التي تمت في بلدان اخرى». وعلى مدى ست سنوات، أنكر الوزراء في الحكومة أن وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية قد استخدمت القاعدة التي تملكها بريطانيا في جزيرة دييغو غارسيا لنقل السجناء حتى يتمّ «استجوابهم» وتعذيبهم في الخارج. وقد أُجبر ديفيد ميليباند في السنة الماضية على الإقرار بأن هذا ما حصل بالفعل. وعلمنا اليوم أنه تمّ إتلاف السجلات ذات الصلة برحلات مماثلة. ولفت عدد من المعتقلين في قاعدة غوانتانامو إلى أن العملاء البريطانيين كانوا متواطئين في أعمال التعذيب. ومنذ أيام، قيل في المحكمة العليا البريطانية إن جهاز الاستخبارات «أم آي 5» زوّد المحققين في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية بأسئلة محدّدة لطرحها على بنيام محمد وهو مقيم في بريطانيا يشتبه بأنه مرتبط بتنظيم «القاعدة». وقد أعاده عملاء الولاياتالمتحدة بعد أن خطفوه ونقلوه في شكل غير شرعي بالطائرة، إلى السجن في المغرب وأفغانستان. وزعم أنه تعرّض للضرب والتعذيب في المغرب. ورفضت الحكومة البريطانية المطالب بإجراء تحقيق وأعلن جون سكارلت رئيس جهاز الاستخبارات «أم آي 6» بعد أن رفض أن يقدّم شهادته إلى لجنة برلمانية ما يلي: «يلتزم ضباطنا بالقيم وبحقوق الانسان والديموقراطية كأي شخص آخر. كما أن مسؤوليتهم تقوم على حماية البلد ضد الإرهاب وينبغي تُناقش هذه المسائل وتُفهم وفق هذا الإطار». كما أنه أعلن في حديث مع احدى محطات اذاعة ال «بي بي سي»: «لم تتمّ ممارسة التعذيب ولم نقم حتى بالتآمر في التعذيب». في هذا الوقت وفي خطوة غريبة بدأت الشرطة في لندن تحاول معرفة إن كان بإمكانها اكتشاف ما اذا كان جهاز الاستخبارات «أم آي 5» تصرف بشكل غير شرعي من خلال تزويد وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية بأسئلة لطرحها على بنيام محمد. ويجب أن نقرّ جميعاً أن التعذيب هو عمل غير شرعي وخاطئ في ظلّ القانون الدولي. وقد منع الرئيس باراك أوباما أن يستخدم المسؤولون في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية التعذيب. كما أنه رفض فكرة أن الولاياتالمتحدة تملك الخيار بين «أمننا ومثالياتنا». وحان الوقت لأن تنظر الحكومة البريطانية في سجلّها وعلى رئيس الوزراء غوردن براون أن يقدّم بياناً كاملاً وصريحاً أمام مجلس العموم. فمع الوقت ستظهر الحقيقة. * سياسي بريطاني ونائب سابق عن حزب المحافظين