عندما سجّلت شركة أبناء عبدالله عبدالمحسن الخضري هبوطاً نسبته 50 في المئة في صافي أرباحها لعام 2012، عزت ذلك إلى أسباب على رأسها، ضغوط حادة على التكاليف جراء المتغيرات السريعة في سوق العمل، أبرزها برنامج توطين الوظائف، الذي يعرف باسم «نطاقات». وواجهت ثالث أكبر شركة مدرجة في سوق الأسهم السعودية ضمن قطاع البناء والتشييد، التي تتجاوز قيمتها السوقية 1.4 بليون ريال، تأخراً في تنفيذ بعض المشاريع، وارتفاعاً في التكاليف المباشرة، بسبب التأخر في إصدار التأشيرات، وإصدارها بأعداد أقل بكثير عن العدد المطلوب للوفاء بالتزامات العقود. وتسلط تلك العقبات التي تواجه شركة مثل «الخضري»، الضوء على التحديات التي تواجه خطط الحكومة للحد من الاعتماد الكبير على العمالة الوافدة رخيصة الكلفة وقليلة الخبرة، إلا أن هناك شبه إجماع بين الاقتصاديين على أن إيجابيات البرنامج تطغى على سلبياته. وعلى مدى العامين الماضيين، أطلقت وزارة العمل عدداً من البرامج الرامية إلى إصلاح سوق العمل، ورفع نسبة السعوديين العاملين في القطاع الخاص، إذ عدلت نظام حصص التوظيف القائم في القطاع الخاص، وفرضت غرامات على الشركات، التي تعيّن عدداً من المغتربين أكبر من عدد موظفيها السعوديين. ويقول كبير الاقتصاديين لدى «سيتي غروب» فاروق سوسة: «إن تأثير برنامج نطاقات في الشركات الفردية سيكون سلبياً في شكل واضح مع ارتفاع كلفة الموظفين ورواتب السعوديين وحاجتهم إلى المزيد من التدريب». ومنذ طفرة النفط في سبعينات القرن الماضي تستعين السعودية بأعداد متزايدة من العمال الأجانب، خصوصاً من آسيا والدول العربية المجاورة، وبلغت نسبة الوافدين 32 في المئة من إجمالي سكان السعودية الذين بلغ عددهم 29.2 مليون نسمة في 2012، بارتفاع كبير عن المستوى المسجل عند أكثر من 11 في المئة في 1974. ويمثل الوافدون 55 في المئة من إجمالي القوة العاملة البالغة نحو 11 مليوناً. وبحسب دراسة لصندوق النقد الدولي صدرت في العام الماضي، أدى ذلك إلى تحويل ما يبلغ في المتوسط 67.5 بليون ريال (18 بليون دولار) سنوياً من الاقتصاد على مدى الأعوام العشرة الماضية، أو ما يعادل 6.2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي للمملكة. ومثلهم مثل الكثير من مواطني دول الخليج يفضل السعوديون الوظائف الحكومية اليسيرة ذات العائد المادي الأكبر، لذا لم يمثلوا سوى 10 في المئة من إجمالي العاملين في القطاع الخاص، ويشغل الوافدون عادة وظائف تقنية مرتفعة الأجور لا يمتلك الكثير من السعوديين الخبرة الكافية للعمل فيها، كما يعملون أيضاً في وظائف متدنية الأجور يراها السعوديون «مهينة». وأوضح صاحب شركة مقاولات (طلب عدم ذكر اسمه)، أنه عيّن ثلث المواطنين السعوديين العاملين لديه لحاجة الشركة الفعلية لهم، بينما جرى تعيين الثلثين للوصول إلى النطاق الأخضر، وهو الشريحة الأعلى ضمن برنامج نطاقات التي تحصل الشركات المصنفة تحتها على تسهيلات وامتيازات. وذكر الخبير الاقتصادي عبدالوهاب أبو داهش، أن معظم الشركات السعودية مزدحمة بالعمالة الأجنبية، حتى في منازلنا لدينا الكثير من العمالة الزائدة على حاجاتنا من الخادمات والسائقين. وكان مسؤولون في وزارة العمل قالوا في شهر آذار (مارس) الماضي إن هناك 500 ألف منشأة في السوق المحلية لا يوجد فيها سعودي واحد. ويرى اقتصاديون أن الأدلة واضحة على نجاح برنامج نطاقات في توفير المزيد من الوظائف للسعوديين، ففي مارس قالت الوزارة إن الإصلاحات التي قامت بها لسوق العمل المكتظة بالمغتربين وفرت أكثر من 600 ألف فرصة عمل للسعوديين في القطاع الخاص بزيادة كبيرة عن المعدلات السابقة. وقال سوسة إن الاقتصاد سيستفيد من زيادة معدلات التوظيف وزيادة الإنفاق وتراجع التحويلات، وإن إيجابيات البرنامج تفوق المخاوف المتعلقة بالتكاليف وكفاءة العمالة على مستوى الشركات. وعلى رغم انخفاض معدل البطالة بين الرجال إلى أدنى مستوى في 13 عاماً عند ستة في المئة العام الماضي، زاد معدل البطالة بين النساء إلى 35.7 في المئة منذ 1999. وقال مؤسس موقع جلو وورك المتخصص في توظيف النساء خالد الخضير، إن برنامج نطاقات «أحد أنجح البرامج التي شهدتها سوق العمل على مدى الأعوام الماضية، إذ أصبحت الشركات الآن تستثمر في رأس المال البشري والتدريب والتطوير». وأرجع الخضير ارتفاع معدل البطالة بين النساء إلى زيادة عدد الخريجات ليصل إلى 500 ألف مقارنة ب300 ألف خريج من الرجال خلال الأعوام العشرة الماضية، وعدم درايتهن بسبل البحث عن الوظائف. واستغرق الأمر من ابتسام (سعودية في العقد الثالث من العمر ودرست الأدب الإنكليزي) عامين كاملين من البحث عن وظيفة حتى التحقت منذ أسبوعين بالعمل في قسم الموارد البشرية في إحدى شركات المحاسبة العالمية. وقالت: «كان الأمر صعباً جداً، يصعب على حديثي التخرج الوصول للشركات في الرياض. نرى تلك الشركات في كل مكان، لكننا نعلم أنها لا توظف سوى الرجال، ولا نعرف كيف نرسل لهم السير الذاتية».