في مدينة حلب، ثاني اكبر مدن سورية وأبرز مركز اقتصادي في البلاد قبل الحرب، اعتاد السكان على العيش من دون تيار كهربائي: الفقراء منهم يضيئون الشموع ويطبخون على الحطب، بينما يبتاع الاغنياء المولدات الكهربائية بأسعار الذهب. ويقول شيخ يزن لوكالة «فرانس برس»: «حينما ارى مصباحاً مضاء، اهرع لالتقاط صورة الى جانبه. لم نر هذا الامر منذ اربعة اشهر في الفردوس»، الحي الواقع تحت سيطرة المقاتلين المعارضين في جنوبالمدينة. وتشهد حلب معارك يومية منذ تسعة اشهر، ويتقاسم نظام الرئيس بشار الاسد والمقاتلون المعارضون له السيطرة على احيائها. ومنذ اشهر، تعاني الاحياء الخاضعة لسيطرة المعارضة من انقطاع متكرر في التيار الكهربائي، ما ادى الى تزايد البطالة وفقدان الكثيرين وظائفهم. كما انعكس تراجع التغذية الكهربائية انقطاعاً في المياه لأيام متواصلة. وتراجع انتاج الكهرباء الى النصف في سورية منذ بدء النزاع منتصف آذار (مارس) 2011 بسبب انخفاض كميات الوقود والغاز التي تصل الى محطات الانتاج، وذلك بعدما اعاق تدهور الوضع الامني وصول الصهاريج اليها، بحسب الاعلام الرسمي السوري. وتأقلم الناس الأكثر فقراً في حلب على الحياة في غياب التيار الكهربائي، بينما لجأ ميسورو الحال الى شراء مولدات كهربائية خاصة تعمل على الوقود. ويقول احمد «نغسل الملابس على ايدينا، نضيء الشموع، نطهو باشعال الحطب. في الواقع، نعيش كما في باب الحارة»، في اشارة الى المسلسل السوري الشهير الذي عرض في الاعوام الماضية، ويجسد حياة السوريين في مطلع القرن العشرين. ويضيف الرجل الاربعيني «لا نستحم سوى مرة كل 15 يوماً لانه في ظل انقطاع الكهرباء، لا يمكننا تشغيل المضخة التي من دونها لا تصل المياه الى الطابق الذي نقيم فيه». ويشرح ان الثلاجة الكهربائية «لم تعد تبرد منذ فترة طويلة»، وهو ما يعانيه ايضاً عدد كبير من متاجر بيع اللحوم والاجبان والاسماك. في المساء، تغرق احياء بكاملها في ظلمة كالحة باستثناء بعض النوافذ التي يخرج منها ضوء خافت. وإزاء هذا الواقع، لجأ بعض التجار الى مصابيح كهربائية ذات استهلاك متدنٍ للطاقة لإبقاء محالهم مضاءة مع حلول الليل. كما عمد تجار آخرون الى تبديل طبيعة اعمالهم. فشيخ يزن الذي فقد متجره لبيع الاحذية في حرائق طاولت الاسواق الاثرية خلال الاسابيع الاولى من المعارك في المدينة الصيف الماضي، انتقل منذ شهرين الى بيع المولدات. على زاوية الرصيف حيث وضع نحو 20 مولداً، يحمل يزن دفتر الفواتير ويقول «كل يوم، نبيع عشرات المولدات، حتى بعدما ارتفع سعرها من خمسة آلاف ليرة سورية (نحو 50 دولاراً) الى 15 الفاً (150 دولاراً)». وينتقل الشيخ يزن يومياً الى احياء خاضعة لسيطرة النظام لشراء بضاعة جديدة. ويوضح «تقع الاحياء على بعد كيلومتر واحد، لكنني اضطر الى سلوك طرق التفافية بطول 25 كلم للوصول اليها». وبعد اعادة شراء المولدات، يضطر الى عبور الحواجز التي تسيطر عليها القوات النظامية. ويضيف مبتسماً «يفهمنا عناصر الحواجز بأن علينا ان نقدم لهم فنجان قهوة»، في اشارة الى الرشى التي يدفعونها لغض النظر عما ينقلونه من بضائع. لكنه مستعد لدفع هذا الثمن لأن تجارة المولدات الكهربائية باتت مزدهرة في حلب. تنتشر على الارصفة امام محال تجارية عدة في الاحياء الخاضعة لسيطرة المقاتلين المعارضين، ويطغى ضجيجها على كل ما عداها من اصوات. في متجره الصغير للحياكة، يعمل محمد على ماكينة خياطة لانجاز طلبيات، ويقول «لا نشغل المولد سوى ساعة واحدة في اليوم». ويضيف ان المولد «يستهلك لترا من الوقود كل ساعتين، وكل لتر يباع بسعر 150 ليرة سورية (نحو 1.5 دولار)، لذا لا يمكننا اضاعة الوقت لدى تشغيل المولد». وينظر محمد بما يشبه الازدراء الى المولد الصغير البرتقالي اللون. ويقول «المولد صنع في الصين وهو ذو نوعية سيئة، لكنه الادنى سعراً الذي تمكن رب عملي من العثور عليه. ابتاعه في مقابل 13 الف ليرة». وقدر وزير الكهرباء السوري عماد خميس في شباط (فبراير) ان الخسائر الاقتصادية الناجمة عن انقطاع التيار الكهربائي في سورية منذ بدء النزاع قبل عامين، وصلت الى 2.2 بليون دولار.