قصّر، لعمري، تجاهه الكل، الا الشهرة. وليجرم بحقه - بحق لبنان إذن - اثنان: من يروح، لمحض ما ان تعرّف اليه، يهم نفسه بأنه عرفه، فيكتب عنه بقلم التلميذ يحسد المعلم، ومن يتوسله، كأنما الامر يسير، اطروحة ليست كتاب عمر. لكم يسهل ان تسدد رصاصة خلاص الى كل ريشة جرّت حبرها، غير مستصعبة، على كدسة من ورق تريدها قال.. سفراً على جبران. أنا، واعترف بها، أتهيّب. أسئلة ثلاثة تردني كمن في حضرة خيلانة من اللواتي يظهرن عليك أشبه برصد ثم يحتجبن ويتركنك في الدهش: - من جبران اليفاع الدائم، ذاك الذي قرأه - بل التهمه - في شرة صباهم، كل الفتيان من أبناء شرقنا، فأصبحوا، حين كتبوا، إما جبرانيين وإما لا جبرانيين، ليغدو نصف قرن برمته مغموراً بشتاءات من بلدة بشري عاصفة بالريح، بصقيع الثلج والصاعقة، أو مسكوناً بشجون ثائر على القبح أو عاشق تكسر جناحاه؟ - من جبران «النبي» - وقل الحكمة - ذاك الذي هو قلق الملايين من الأميركيين، ممن يقرأون منه في معابدهم ولا قراءتهم من الكتاب المقدس، فيغدو اسمه بين كل الأسماء، في أية دربة عقلية أغذ، أشهر اسم غير منازع في أمة ما هي ثانية بين اللواتي بيدهن مصائر البشر؟ - مَن جبران القلم الانكليزي الذي أضفى على لغة تشوسير وكيتس رعشة لا عهد للانكليزية بها، جاءت، وحتماً بشكل مغاير، بحجم التي كان أضفاها عليها شكسبير؟ ليس في هذه العجالة المقتضبة فيح للرد على الأسئلة الثلاثة. وان هي، هذه العجالة المقتضبة، إلا وخز في خاصرة جماعتين: من كتبوا عن جبران وكأنه هم، ومن نشروا رسائل حميمة متبادلة بين عاديين وبينه وهو بعد عادي، كتابات خاملة، لو سئل جبران فيها: «هل هي لنشر؟» لضحك ضحكة آنشتاين يسألونه نشر مساعداته حفيدة له بنت ثمان، مثلاً، على كتابة فرض في الحساب ستنال عليه علامة أقرب الى الصفر. لئن تفرّغ يوماً خبير بسن اليفاع، وبالجمال القلمي خاصة، وبالقلب المريد ذاته خافقاً مع نبضات قلب الكون، للرد على الاسئلة الثلاثة، وكتب بانكليزية تفوق سذاجة ونضارة بث انكليزية «النبي»، فقد يكون لنا ان نعطى - ويا لهناءتنا آنئذ - فكرة عن بعض ما جبران، عظيمنا الذي كان على الطريق الى جعل اسم لبنان، بسبب اسمه هو، اشهر ما ينزل في كل الكتب. * هذا النص الذي كتبه سعيد عقل عن جبران ونشرته «المجلة التربوية» عام 1981 ظل مجهولاً ولم ينتشر تبعاً لطبيعة المجلة، ولم ينشره عقل في أي من كتبه. وهو النص الوحيد الذي كتبه عن جبران، هو المعروف بعدم حبه له.