أصدرت «مؤسسة الفكر العربي» أخيراً، من مقرّها الرئيسي في بيروت، الطبعة الأولى من «التقرير التأسيسي للمحتوى الرقمي العربي». ويتضمن التقرير أربعة أقسام رئيسة هي: « أولاً، ملخّص تنفيذي حول «الواقع – الدلالات – التحديّات» لهذا المحتوى. ثانياً، «الباب الأول»، وفيه توصيف المحتوى الرقمي العربي على شبكة الإنترنت. ثالثاً، «الباب الثاني»، يتضمّن تقويماً للمحتوى عينه. ويتبع هذين البابين ملحقٌ يوضّح للقارئ منهجيّة التقرير وتقنيات توصيف المحتوى الرقمي العربي وتقويمه. ويمثّل هذا التقرير ثمرة مشروع وضعته «مؤسسة الفكر العربي» على قائمة أولوياتها، بحسب رئيس المؤسسة الأمير خالد الفيصل. وجرى تنفيذ المشروع بقسميه «الوصفي الإلكتروني» و»التحليلي النقدي»، إنطلاقاً من عيّنة غير مسبوقة في المشروعات المشابهة فاقت العشرين مليون وِحدة. ويكشف الأمين العام للمؤسسة البروفسور سليمان عبدالمنعم، أن هذه العيّنة الضخمة تغطي الفترة الزمنية بين عامي 1995 و2011. ويشدّد على أن المؤسسة تسعى الى مواصلة تحديث التقرير دورياً، كل ستة شهور، ليواكب متغيّرات المعلوماتية ومستجدّاتها المتواصلة. أزمة العَلَم الإلكتروني تشير أرقام التقرير إلى وجود 104899 حاسوباً خادماً («سيرفر» server) تمثل 83 في المئة من الحواسيب الخادمة للمواقِع الإلكترونيّة العربيّة، ولا يُعرف إذا كانت تحت سيطرة دول الوطن العربي أو أنها تخرج عن هذه السيطرة. ويضيف عبدالمنعم أن الغالبية الساحقة من هذه المواقع تعمل تحت أسماء النطاق التجارية مثل (com.كوم) و(org.أورغ) و(biz.بيز) و (info.إنفو)، من دون إضافة إسم النطاق الوطني للدول العربية، كeg لمصر، وsa للسعودية، وlb للبنان وغيرها، ما يعني عدم احترامها ما يمكن تسميته ب»العلَم الإلكتروني» للدول العربية! ويذكر التقرير أن قرابة 126 ألف موقع إلكتروني ذات محتوى عربي أُخضِعَت للتحليل. وتبيّن أن المؤسسات الحكومية تبدو أكثر مساهمة من الأفراد في إنتاج المحتوى الرقمي العربي. في المقابل، يصعب معرفة العائد المالي لهذه المواقع، لأن 91 في المئة منها (ما يزيد على 114 ألف موقع) لا تذكر قيمة هذا العائد. وتمثل وحدة المحتوى العنصر الأساس في عمليات التحليل كافة التي اعتمدها الزميل جمال غيطاس والاختصاصي الجامعي خالد الغمري، وهما مؤلفا التقرير. وأعطيا لكل وحدة عنواناً إلكترونياً مستقلاً على شبكة إنترنت، يميّزها عن سواها. وتشمل وحدات المحتوى: المُدوّنة الإلكترونية («بلوغ»)blog لرصد عمليات التدوين الرقمي، وال»بوست» post في متابعة حركة الصفحات على موقعي «فايسبوك» و»غوغل»، وكذلك الحال بالنسبة الى المشاركة في المنتديات. واعتمدت الرسالة message في قوائم البريد الإلكتروني، والتغريدة «تويت» twit في متابعة موقع «تويتر»، والنصوص المربوطة بأشرطة الفيديو لمتابعة الحركة على موقع «يوتيوب»، والنصوص التي تصف الصور لمتابعة موقع «فليكر» وغيره من الشبكات الاجتماعية المستندة على تبادل الصور. وفي السياق عينه، اعتمد المستند document في المواقع التقليدية، إضافة الى ملاحظة النصوص التي تُلحَق بنصوص اخرى (كتلك المُلحقة بملفات «بي دي أف» pdf) أو بملفات رقمية للصور والفيديو والأغاني والتسجيلات وغيرها. ...لكن، ما هو المحتوى؟ يصف تقرير «مؤسسة الفكر العربي» المحتوى الرقمي العربي نفسه بأنه دراسة واسعة لم تكتف بالنظر إلى المحتوى على أنه مجرد تراكم شبكي لأغان وأفلام وكتب تنقل من الحال الورقية إلى الحال الرقمية، بل نظر إليه باعتباره المادة الخام الأساسية التي تتشكل من البيانات والمعلومات المترابطة، والتي يعتمد عليها عقل المجتمع، ومراكز صنع القرار فيه، ومؤسساته وأفراده، في سياق عمليات تشمل إدارة مصالحه وتسيير شؤونه وبناء ذاكرته والتعبير عن ثقافته وهويته، إضافة الى السعي للحفاظ على سلامة هذه المصالح في الأجلين القصير والطويل. وبقول آخر، يرى هذا التقرير أن المادة الخام في الدراسة تمثّلت في محتوى معلوماتي مجتمعي مشترك، يضمّ تفاصيل واسعة عن حياة الأفراد والجماعات. ويعتبر التقرير أن هذا المحتوى الجماعي الكلي يتركّب من محتويات أصغر تشمل الثقافة والسياسة والقانون والتعليم والعلوم والإعلام والإتصال والإقتصاد والخدمات والبحث العلمي، والإجتماع السياسي، إضافة الى المواضيع المتصلّة بالأبعاد العسكرية والأمنيّة. العربية لغة مهملة إلكترونيّاً يرتكز هذا التعريف العميق للمحتوى الرقمي العربي إلى هدف التقرير نفسه، وهو تقديم صورة واصفة وكاشفة ومُفَصّلة عن حال هذا المحتوى، فيغدو من المستطاع أن نعرف الملامح الفعليّة للحضور الرقمي العربي على شبكة إنترنت. ويبيّن التقرير أنه جرى الاعتماد على «عينة» وحدات المحتوى التي درسها التقرير، وهي عيّنة فائقة الضخامة كما ورد آنفاً، جرى تجميعها مما يزيد على مليوني قناة للنشر في الفضاء الافتراضي للإنترنت، على غرار المواقع الإلكترونية، المُدوّنات الرقمية، المنتديات الافتراضية، والشبكات إجتماعية وغيرها. تضمّ هذه العيّنة قرابة مليون وربع مليون تدوينة، جُمِعَتْ مما يزيد على 178 ألف مُدوّنة إلكترونيّة، وقرابة 1.4 مليون شريط فيديو سُحِبَتٍ مما يزيد على ثلاثمئة ألف حساب على أقنية موقع «يوتيوب» وأمثاله من شبكات الفيديو، و580 ألف صورة جُمِعَتْ من قرابة 66 ألف حساب على موقع «فليكر» وما يشبهه من مواقع شبكات الصور، وما يزيد على 154 ألف تغريدة على موقع «تويتر» مأخوذة من قرابة 1.3 مليون حساب على ذلك الموقع، وما يزيد على خمسة ملايين مشاركة في مواقع الشبكات الإجتماعية، سُحِبَتْ من قرابة 1.86 مليون صفحة في موقعي «فايسبوك» و»غوغل»، وما يزيد على 3.3 مليون مشاركة أُخِذَتْ من قرابة 35 ألف منتدى افتراضي، وما يزيد على 6.2 مليون نص سُحبت من قرابة 126 ألف موقع إلكتروني. تخلص دراسة هذه العيّنة التي يعرضها التقرير في البابين الأول والثاني بشكل مفصل ودقيق، إلى تكوين صورة بانورامية كبرى توضح الملامح الأساسية للمحتوى الرقمي العربي على شبكة إنترنت. ولا بد من التنبّه إلى أن هذا المحتوى لا يشكّل إلا كياناً ضئيل الحجم في عالم الإنترنت. ولوحِظ أن نسبة أسماء النطاق العربية لا تظهر إلا في قرابة 0,162 في المئة من أسماء النطاق العالميّة التي تمثُل في الغالبيّة الساحقة من المحتوى. كما أن حركة هذا المحتوى الإجمالية لا تكفي للإنتقال به من الضآلة إلى الضخامة.