مع انتهاء التصويت في الانتخابات الرئاسية الأفغانية، بات كثر من الأفغان والمتابعين للشأن الأفغاني ينظرون إلى ما سيعقب عملية التصويت والمستقبل الغامض الذي ينتظرهم. ولعلّ أبرز ما رافق هذه الانتخابات هو ظهور قوة حركة «طالبان» على رغم محاولة الحكومة التقليل منها. فقد توعدت الحركة بمحاولة التأثير في المسار الانتخابي ومنع إجراء الانتخابات أو على أقل تقدير الحدّ من إمكان حصولها بالشكل الذي تريده الحكومة الأفغانية وداعموها الدوليون. ونجحت «طالبان» في هذا المجال بحسب قول محللين التقتهم «الحياة» في كابول. فتمكُّن الحركة من تنفيذ تفجير انتحاري قبل أسبوع من موعد الاقتراع على بوابة مقر قوات حلف شمال الأطلسي في كابول، وتهديدها بشن هجمات أخرى في مناطق مختلفة، وتنفيذها هجمات استهدفت القوات الدولية شرق كابول على طريق جلال أباد، وتحذيرها المواطنين في ولايات جنوبأفغانستان وشرقها، ألقت بظلالها على إقبال الناخبين الذين لم يزد عددهم في بعض مراكز الاقتراع في العاصمة عن 20 مقترعاً في المركز الواحد، علماً أنها كانت معدّة لاستقبال آلاف الناخبين بحسب قول اللجنة الانتخابية. وأفادت بيانات اللجنة بأن حجم التصويت في مناطق كثيرة كان مقبولاً، لكنها لم تذع أرقاماً بحجة عدم تبلغها الأرقام الفعلية من المراكز الانتخابية. كما تغاضت اللجنة في بياناتها عن عراقيل، مثل عدم تمكن المراقبين الدوليين من السفر خارج كابول ومدن أخرى، واضطرارها إلى نقل مراكز الاقتراع إلى مراكز الشرطة في اللحظات الأخيرة ومن دون إعلان مسبق للناخبين، بينما كانت بيانات الداخلية أكثر وضوحاً في الحديث عن هجمات «طالبان» في مناطق مختلفة، اذ تمكّن مقاتلو الحركة من تعطيل الانتخابات في مناطق عدة في ولايات قندوز (شمال) وقندهار (جنوب) وهيرات (شرق). وهو اعتراف يمكن أن يعطي حجماً للناخبين الذين غامروا وتوجهوا إلى صناديق الاقتراع. وعمّقت هذه الانتخابات الشرخ الداخلي في المجتمع الأفغاني على أسس عرقية. فقد ازداد الفرز بين البشتون الذين يمثلون أكثر من 50 في المئة من السكان والعرقيات الأخرى التي لم تتمكن من التوحد تحت راية مرشح يمكنه هزيمة الرئيس حميد كارزاي. منهم أكثر من شخص، ما أدى الى توزع أصواتهم بين الرئيس كارزاي ومنافسين آخرين، لكن مع ضمان الغالبية في مصلحته. وفيما حاولت بلدان الجوار النأي بنفسها عن دعم علني لأي مرشح، فإن مراقبين أفغاناً وفئات حزبية اتهمت دولاً مجاورة بدعم مرشح، أو آخر. ويكثر الحديث في كابول عن تقديم الحكومة الإيرانية دعماً مادياً لكل من كارزاي ومنافسه الرئيس عبدالله عبدالله لتبقي لها يداً ونفوذاً «في الداخل» ولا تغضب حلفاءها التقليديين، أي تحالف الشمال والقومية الطاجيكية. كما لا تود طهران أن تخسر علاقاتها المتنامية مع حكومة كارزاي. بينما أبعدت إسلام آباد نفسها عن التدخّل وبقيت أسيرة مشاكلها الداخلية. واشار مسؤولون أفغان ومراقبون للوضع الداخلي الى أن واشنطن لم ترغب في تدخل باكستان على ضوء ظروفها الحالية. مرحلة ضبابية وأوضح محلل سياسي افغاني ل «الحياة» أن أفغانستان دخلت مرحلة جديدة الآن، فإما أن تغوص أكثر في وحل الفوضى والدماء وإما أن تلجأ الحكومة وقوات التحالف خصوصاً الأميركية الى الحوار مع «طالبان» التي فرضت وجودها بقوة على الساحة، سعياً الى تسوية. لكن في ظل ما تعانيه الحكومة الأفغانية من ضعف ووجود القوات الأميركية صاحبة القرار النهائي في المسائل الأمنية، لا تبدو فرص نجاح مثل هذه المبادرة مشجعة وإن كانت قوات التحالف الغربي عموماً تعبت من الوضع والخسائر المتزايدة. كما أن «طالبان» لا تزال تعاني عزلة إقليمية ودولية، ولم تتمكن من طرح نفسها ك «لاعب» بمفاهيم السياسة العالمية، وليس منتظراً منها في ظل الظروف الحالية في أفغانستان أن تفك تحالفها مع تنظيم «القاعدة» وجماعات أخرى مثل «الحركة الإسلامية الأوزبكية» بقيادة طاهر يلداش، ما يرشح الوضع الأفغاني الى مزيد من التأزم وإراقة الدماء، نظراً الى حاجة القوات الدولية والحكومة الأفغانية إلى نصر أو تقدم عسكري يمكنها من فرض مصالحة وطنية وفق شروطها، ولعدم قدرة «طالبان» على الحسم العسكري في ضوء الظروف الداخلية والخارجية، ما سيزيد من المأساة الأفغانية خلال الشهور المقبلة.