الذي أطلق مقولة «أصوم أصوم وأفطر على بصلة» ربما كان يقصد التقليل من شأن البصل، نظراً إلى قيمته السوقية المتدنية، وربما أيضاً لأهمية الصوم وضرورة أن يكون الإفطار شهياً بعد صيام نهار طويل، وهي أشبه بمعادلة ومقارنة غير متكافئة، وتطلق أيضاً لمن يعمل بجد واجتهاد ويكافح من اجل إنجاح عمله، ويجد مقابل ذلك أجراً ضعيفاً لا يرضي طموحه، ولن أتحول إلى طبيب أو أخصائي تغذية لأقول لكم عن فوائد البصل مع انه مطهر للفم ويمنع التجلط في شرايين القلب، وعلاج الربو والسكر والسرطان والزكام، ويستخدم لعلاج نقص الشهية، فالبصل أحياناً يقوم مقام اللحم والدجاج بعد أن أصبح سعره يقترب منهم. إلا أن قصة البصل التي سأقولها لكم فهي حدثت في كبرى مراكز التسوق ومراكز بيع الخضار، الناس يخرجون منذ أسبوع من اجل أن يحصلوا على حاجاتهم من السوق، تقول إحدى قريباتي إن بعض المحلات ومراكز التسوق كانت تخفي السلعة التي تجد إقبالاً من الناس وسعرها مناسب، أو انتهت من طاولة العرض، ويقف الناس لفترات طويلة في انتظار أن يتم تعبئتها من جديد، فكانت الإجابة أنها انتهت، وتضيف قريبتي أمام هذا الإقبال، كانت هذه المراكز تلجأ إلى رفع الأسعار تدريجياً أمام هذا الطلب المتزايد للمواد الغذائية والاحتياجات الضرورية، وهذا ما حدث مع البصل، فقد كان سعره قبل أسبوع من رمضان 75 هللة، وبالفعل لم يكن الناس وحدهم الذين اقبلوا عليه، بل حتى أصحاب البقالات الصغيرة ليستفيدوا منها، إلا انه بقدرة قادر وبحركة سحرية عجيبة وصل سعره قبل يومين من رمضان إلى 3 ريالات، وهكذا ارتفع سعر البطاطس والطماطم، أما الخس فوصل إلى 4 ريالات، أزعم إنكم لن تصدقوا كلامي، ولكن بالفعل هذا ما حدث. مذبحة واضحة في زيادة الأسعار، وحينما تستفسر عن السبب في حلقة الخضار أو المحلات، يقذفون بالتهم إلى المزاد الذي يتلاعب فيه التجار، كل شيء كان مرتفعاً دون استثناء، لا تعرف إلى أين تتجه هل ستذهب إلى وزارة التجارة التي أكدت عن وفرة المواد الغذائية في السوق، إلا أنها لم تخبرنا عن التلاعب الذي سيحدث في هذه الأسعار، وان الوزارة بعدد محدود من المراقبين ستسيطر على هذه الأسعار، أو يذهب الناس إلى البلديات، أو إلى حقوق الإنسان، لدينا استغلال لكل المواسم، في الصيف يستغل أصحاب الشقق السكنية في زيادة الأسعار نتيجة الإقبال الإجباري على السياحة الداخلية والقبول على فعالياتها أنها مرضية، وأيام المدارس يستغل أصحاب المكتبات والقرطاسية في زيادة أسعار الحقائب المدرسية ومستلزمات الدراسة وغيرها، وفي الحج ترفع مكاتب الحج والعمرة أسعارها مستغلين بذلك ركننا الخامس في الإسلام، فتكتشف أن الوعود التي أطلقوها كانت فقط من اجل تسويق الوهم، وفي العيد والإجازات الصيفية، يستغل أصحاب المدن الترفيهية أسوأ استغلال ببيع بطاقات ألعاب تكتشف أنها لا تعمل، أو أنها انتهت، وابنك أصلاً لم يبدأ اللعب وتحتاج أن تعيد تعبئتها من جديد، أو زيادة أسعار التذاكر، وحينما ينشط البناء يستغل تجار الاسمنت وبيع مواد البناء إلى التلاعب في الأسعار، وحينما تظهر أنفلونزا الخنازير، وتقول الحكومة إن علاج المواطنين في المستشفيات الخاصة على نفقة الدولة، أصبح كل الناس لديهم شبهة الإصابة بهذه الأنفلونزا، حينما تراجع مستشفى خاصاً من اجل مغص في المعدة، أو ألم في الضرس، اخبروني عن مناسبة نعيشها ونفرح فيها دون أن ينغص علينا تجار جشعون ليستغلوا هذه الفرحة. الأيام المقبلة في هذا الشهر الفضيل سيحتفل الناس بمهرجان الجشع والاستغلال، من سائقي الأجرة وملابس الأطفال وخياطي الملابس، والفنادق والشقق السكنية في مكةالمكرمة والمدينة المنورة، حتى ملابس الإحرام والعمرة والحلاقون، دائماً أتساءل الذين تقل مرتباتهم عن خمسة آلاف ريال وهم الغالبية العظمى من الناس، سواء موظفين حكوميين أو قطاعاً خاصاً، كيف يمكنهم أن يواجهوا زيادة الأسعار المتلاحقة، لا يكاد ينتهي ويخرج من أزمة، حتى يدخل في أزمة أسعار جديدة، بصراحة لا توجد هناك جهات رادعة لهؤلاء المستغلين، فلدينا انفلات رقابي في كل الأشياء، وإذا استمرت الجهات المعنية في الرقابة بأسلوبها التقليدي بعدد قليل من المندوبين لتتركهم في الأسواق لمراقبة الأسعار أو معاقبتها، فهذا أسلوب عقيم وغير مجدٍ، ولن تُحل أبداً هذه المشاكل. لا تقولوا إن ما يحدث موجود في كل مكان، هذا خطأ، فما يحدث من تلاعب وجشع واستغلال هو فقط في الدول المتخلفة التي ترى أن شعوبها يجب أن تدفع رسوماً في مقابل أن تفرح أو تبني، لم اسمع عن استغلال لأيام المدارس في فرنسا أو أمريكا، ولم اقرأ أن المسلمين في أوروبا اشتكوا من زيادة الأسعار خلال موسم رمضان، أو أن الشركات تلاعبت في سعر الملابس، مثلما تعاقب هيئة سوق المال المساهمين المتلاعبين الذين يحققون مكاسب خيالية نتيجة تسريب معلومات وهمية، أو الاستفادة من مواقعهم العملية، إن الجهات المعنية مطلوب منها حينما تكتشف مثل هذا التلاعب أن تعاقب المتسبب، ظاهرة الجشع والطمع التي انتشرت لدى التجار بشكل لافت، تجعلنا نتساءل هل نحتاج إلى تأهيل تجارنا أخلاقياً وتعليمهم أدبيات التعامل مع السوق قبل أن نوافق على منحهم تراخيص تجارية. حسبنا الله ونعم الوكيل. * إعلامي وكاتب اقتصادي [email protected]