«لن أُبكّر في استقالتي وسأبقى في موقعي حتى اليوم الأخير من ولايتي»، هكذا، وباختزال، أزال الرئيس الإيطالي جورجو نابوليتانو، ضباب الشكوك التي لفّت الموقف السياسي ليل أمس، وأوحت باحتمال استقالته قبل الأوان، من أجل السماح لرئيس كامل الصلاحيات بحل البرلمان والدعوة إلى إجراء انتخابات مبكرة. معلوم أن نابوليتانو لا يملك هذه الصلاحيات حالياً لأن ولايته دخلت فترة الشهور الست «البيضاء» التي لا تمنحه حق حل البرلمان. وبهذا الإعلان أكد نابوليتانو ما عُرف عنه من صرامة دستورية والتصاق بمصلحة البلاد، خصوصاً في هذه المرحلة الحرجة التي تبدو فيها إيطاليا على حافة الهاوية، وقاب قوسين أو أدنى من السقوط فيها. نابوليتانو، الذي أكد أنه لن يترك دفة السفينة وهي لا تزال تمخر عباب الأمواج، شدّد على أنه سيفعل كل ما يستطيع في إطار صلاحياته لإيجاد مخرج للأزمة والجمود السياسي الذي آلت إليه الأوضاع بعد انتخابات 25 شباط (فبراير) الماضي، والتي لم تُنتج غالبية برلمانية خصوصاً في مجلس الشيوخ، بل أفضت إلى انغلاقات وجدران ضد أخرى، ما أطاح محاولة زعيم الحزب الديموقراطي بيير لويجي بيرساني، تشكيل حكومة. واضح أن نابوليتانو لا يبحث عن حلول ترقيعية، ويدرك أن إيطاليا لا تحتاج حالياً إلى حكومة تصريف أعمال، بل إلى حكومة تتولى شؤون البلاد بكامل الصلاحيات، وتتخذ قرارات عاجلة للخروج من النفق المظلم. وفي هذا الشأن، أكد نابوليتانو وجود حكومة تصريف أعمال يقودها ماريو مونتي، على رغم المصاعب التي واجهتها أخيراً في شأن قصية العسكريين الإيطاليين المحتجزين في الهند، واستقالة وزير الخارجية جوليو تيرتسي الاستعراضية في البرلمان. وقال: «تمارس حكومة مونتي مهماتها وتتخذ قرارات ضمن صلاحياتها وتتواصل مع شركائنا الأوروبيين، لذا على القوى السياسية في البرلمان إدراك فداحة الموقف، والتعامل معه بجدية تحقيقاً للمصلحة الوطنية العليا». وأعلن نابوليتانو أنه شكّل فريقَي عمل منفصلين يضمان دستوريين واقتصاديين لاطلاعه على خيارات الساعات المقبلة، ولا يستبعد ضم اللجنتين شخصيات من الحزبين الرئيسيين «الديموقراطي» بزعامة بيرساني و«شعب الحريات» بزعامة سيلفيو بيرلسكوني. وقد تثمر اجتماعات اللجنتين اسم رئيس الحكومة المقبلة، قبل عودة افتتاح أسواق المال والبورصات الثلثاء بعد انتهاء عطلة عيد الفصح، والتي جاءت، كما يبدو، كهدية من السماء لإيطاليا في هذه اللحظة، كونها لن تتأثر بالضبابية القاتمة التي تلف المشهد والمستقبل السياسيَين للبلاد. وكانت وكالتا «موديز» و «ستاندرد أند بورز» لتقويم الاقتصاد العالمي لمحتا إلى احتمال خفض تصنيف إيطاليا ومؤشر صدقيتها.