عاد الرئيس الباكستاني برويز مشرف إلى بلاده امس، واضعاً بذلك حداً لمنفى اختياري استمر 4 سنوات، منذ استقالته تحت ضغوط العام 2008. وأكد مشرف، وهو قائد سابق للجيش وصل إلى الحكم بانقلاب نفذه العام 1999، انه قدم إلى البلاد، لإنقاذها من «الإرهاب»، ما شكل تحدياً لحركة «طالبان باكستان» التي توعدت باغتياله بواسطة «فرق انتحارية» مكلفة هذه المهمة. كما شكلت عودة مشرف تحدياً لمجموعة من الأطراف المتنافرة والتي تحالفت ضد نظامه، وفي مقدمها حزب الشعب بزعامة الرئيس آصف علي زرداري الذي حمّله مسؤولية اغتيال رئيسة الوزراء السابقة بينظير بوتو العام 2007، اضافة إلى «الرابطة الإسلامية» بزعامة نواز شريف الذي أطاحه مشرف في انقلابه وفرض عليه منفى استمر سنوات. ووصل مشرف (69 عاما) إلى كراتشي حيث استقبله في المطار ألف من أنصاره، خاطبهم قائلاً: «عدت اليوم إلى بلدي، أين هم من قالوا إنني لن ارجع أبداً؟». وأضاف: «قال لي شعبي أن أعود لإنقاذ باكستان حتى ولو على حساب حياتي. أريد أن أقول للذين يطلقون التهديدات إني مبارك من الله ولا أخشى سواه». وختم مشرف كلامه بعبارة «سننقذ باكستان» التي رددها وراءه أنصاره. ويراهن مشرف على تهم الفساد وعدم الكفاءة الموجهة إلى الطبقة السياسية الحالية، ليطرح نفسه «بديلاً» للأحزاب التقليدية في الانتخابات المقررة في 11 أيار (مايو) المقبل. وسيقضي الجنرال المتقاعد بضعة أيام في كراتشي، قبل الانتقال إلى العاصمة إسلام آباد حيث يبدأ بتنظيم صفوف حزبه لخوض الانتخابات، كما يواجه القضاء الذي وجه إليه تهماً عدة، تراوح بين استغلال السلطة لعزل خصوم سياسيين والتواطؤ في اغتيال بعضهم، وفي مقدمهم بوتو. وتفادى مشرف المساءلة القضائية باختياره العيش في المنفى متنقلاً بين لندن ودبي. لكن عودته قد تؤدي إلى إعادة فتح ملفات ضده، علماً أن القضاء مهد لعودته بإعلان انه لن يعتقل بل سيفرج عنه بكفالة بانتظار دراسة ملفه. ويبدو أن الرئيس السابق اختار تركيز هجومه السياسي على محورين: أولهما، تحدي المتشددين الذين خاض الجيش في عهده أقسى المواجهات معهم، منذ إعلان تحالفه مع واشنطن لمكافحة الإرهاب غداة اعتداءات 11 أيلول (سبتمبر) 2001. أما المحور الثاني فهو الاستناد إلى الاتهامات الموجهة إلى حكومة حزب الشعب بأنها عجزت عن تثبيت الأمن والاستقرار في البلاد التي تجتاحها موجات من التفجيرات والاغتيالات. لذا قال في كلمته في المطار امس: «أين ذهبت باكستان التي غادرتها قبل خمس سنوات؟ قلبي يدمى عندما أرى حال البلد اليوم»، مضيفاً: «عدت من أجلكم. وأريد استعادة باكستان التي غادرتها». وأدت تهديدات «طالبان باكستان» باغتيال مشرف و»إرساله إلى الجحيم» لدى عودته، إلى إلغاء مهرجان له كان مقرراً عند ضريح مؤسس باكستان محمد علي جناح، ما اضطر الرئيس السابق إلى ارتجال خطاب لدى وصوله إلى المطار. واستبق مشرف وصوله بتصريح إلى مجلة «در شبيغل» الألمانية قال فيه: «كانت باكستان في عهدي بلداً صاعداً، اقتصاده مزدهر. لم يكن الإرهاب مشكلة كبيرة كما هي الحال اليوم. إن النجاح في هذين المجالين السياسيين هو المفتاح لجعل باكستان بلداً مستقراً وسليماً. أريد أن أعيد باكستان إلى سكة الازدهار وتحريرها من الإرهاب». وأضاف الجنرال السابق: «في 2007 كانت نسبة شعبيتي 78 في المئة. إذاً، أنا أحرزت الكثير من النجاح خلال ثمانية أعوام. كل المؤشرات الاقتصادية والاجتماعية كانت تدل على أن باكستان بلد في طور النمو. في المقابل كانت حصيلة السنوات الخمس الأخيرة فشلاً على كل الصعد». ويأمل مشرف باستغلال فجوة في الساحة السياسية نتيجة تراجع شعبية حزب الشعب لفشله في محاربة الفساد ومعالجة الانقطاع المزمن في الكهرباء اضافة إلى فشل الحزب في إعادة بناء البنية الأساسية المتداعية. كما أن مشرف يراهن على استغلال الوضع الاقتصادي الصعب الذي قد يدفع باكستان إلى اللجوء مجدداً إلى صندوق النقد الدولي لطلب الدعم وتجنب العجز في ميزان المدفوعات. وترافقت عودة مشرف مع تكليف الهيئة المشرفة على الانتخابات حكومة تكنوقراط برئاسة القاضي السابق هزر خان خوسو، تسيير شؤون الدولة إلى حين انتخاب برلمان جديد.