لم يرتد الممثل السوري كفاح الخوص، وهو يقوم بدور الحكواتي في المقهى البيروتي، لباس الحكواتي الشامي التقليدي، أي الطربوش والشروال والعباءة، ولم يحمل ذلك السيف الذي كان يلوح به كلما حمي وطيس حرب الحكاية ... بل ظهر الحكواتي الشاب كما هو في الحياة، وبالضبط لأنه أراد أن يحكي يوميات السوريين المعاصرة التي لا يلزم لقصها سيف ولا عباءة. حكايات الخوص، وهو ممثل وكاتب ومخرج مسرحي، لم يتطرق مباشرة إلى السياسة، وقد حاول أحيانا تمويه حكاياته كتلك التي قال إنها كانت مناما شاهد فيه طائرات ترمي بأشياء على الناس، لعلها شوكولا، وبمجرد أن تلامس الناس والأشياء يتحولون إلى اللون الكرزي. يبدو أن الخوص أراد أن يحكي فقط أهوال الحرب. وفي حكاية سماها "يوميات ملك الحزين" المصاغة على طريقة الحكواتي التقليدي، بكلام موزون ومقفى، يحكي الملك، الذي افاق ليجد نفسه ملكا على الناس، عن يومياته في تعذيب محكوميه، وتفننه في ذلك، إلى أن "صار الوقت بكرا، وصار الملك ذكرى". آخر الحكايات كانت عن ولدين جارين اعتادا اللعب معا، الأول هو الولد الغني راجي، والثاني هو الولد الفقير الذي يحمل اسم سعيد. كانا يلعبان لعبة الفارس والحصان، الفقير بينهما يأخذ دور الحصان، والغني دور الفارس. حين يتعبهما اللعب وينتابهما العطش يدخل الولد (الفارس) الى بيته الواسع ليأخذ جرة ماء، لكنه قبل ذلك يربط رفيقه (الحصان) باليد النحاسية لباب المنزل الكبير الأسود، وحين يقضي راجي غرضه ويهم بالعودة يشتعل القصف في البلدة، فتجبره الأم على البقاء في المنزل. عندما يهدأ القصف يذهب الولد لتفقد رفيقه عند البوابة السوداء، ليجد فقط يد البوابة الذهبية، مربوط بها حبل، ونصف جسد رفيقه فقط، وصوت صهيله يصعد إلى السماء. الكاتبة ايمان سعيد، كانت بين الحضور. وقالت لوكالة فرانس برس عن تجربة الحكواتي في هذا المقهى "جميل أن نعود إلى السرد في وقت غزو الصورة والانترنت". ولفتت سعيد الى ان "الحكواتي في مكانه الحقيقي، المقهى، اجمل منه على خشبة المسرح، بعد ان عملت تجارب مسرحية عديدة على مسرحته". وقال الموسيقي عبدالله شحادة "الحكواتي التقليدي قد يأخذك الى زمن لم تعشه، ولن تتمكن من التعاطف معه، اما حكواتي من هذا النوع فهو يلامسك أكثر". واضاف "لكن كان من الممكن أن يوظف الصوت أكثر مما ظهر في العرض، كان على الممثل أن يرينا صوت الأب حين يظهر أب في الحكاية، وفي المقابل أن يظهر صوت الطفل، أي كما يفعل الحكواتي التقليدي عادة". الحكواتي السوري كان من ضمن مجموعة فعاليات تقام في "دار المصور" في بيروت، تحت عنوان "تحية إلى الشام"، وتتضمن أمسيات موسيقية، وشعرية، وعروض أفلام، وكذلك معرضا تشكيليا يشارك فيه الفنان السوري حمود شنتوت، وزهير دباغ، والنحاتة عروبة ديب، وسواهم.