نقلة نوعية حققتها الدراما الخليجية على متن مئات الفضائيات العربية التي يشاهدها ما يزيد على 150 مليون مشاهد، وهي نقلة استحقت البحث والتحليل والتقويم ولا يضر قليل من المقاربات والمقارنات مع الهجمة التركية الدرامية الشرسة الحادثة على القنوات ذاتها. الملتقى السنوي ال12 لمجلة «العربي» الكويتية فتح أخيراً ملف الدراما الخليجية المعاصرة التي باتت سمة يومية في كثير من القنوات الفضائية العربية، ولم تعد حكراً على الدورات الرمضانية فقط. بل أصبحت تمثل عنصر جذب لفضائيات غير خليجية موجهة الى عرب غير خليجيين، وهو ما يعد نجاحاً لسمة جديدة في الدراما العربية. الناقد السينمائي ومدير نادي السينما في الكويت عماد النويري يقول إن السنوات الخمس الأخيرة شهدت ظهوراً مميزاً للدراما القطرية والسعودية والإماراتية وحتى اليمنية والعراقية بعد الاستعانة بكوادر قديرة لها تاريخها الفني في العالم العربي. هذه الظاهرة جعلت من التعاون الفني مطلباً رئيسياً وهدفاً فرضه نمط الأعمال الخليجية. فمثلاً نجح مسلسل «جرح الزمن» الكويتي في أن يستحوذ على مساحة بث على الفضائية المصرية، وهو المسلسل الذي أخرجه السعودي عامر الحمود وبطولة القطري عبد العزيز جاسم والبحرينية لطيفة المجرن والكويتيين حياة الفهد وإبراهيم الصلال. وأشار النويري كذلك إلى مسلسل «طاش ما طاش» السعودي لناصر القصبي وعبد الله السدحان الذي لاقى نجاحاً في العالم العربي كله. السدحان أشار إلى هذه التجربة الناجحة بقوله إن الصعوبات كانت كثيرة، لا سيما في البداية والتي تعود إلى عام 1993، والتي تراوحت بين الرقابة وعدم إمكانية قيام نساء بالأدوار النسائية، «وبعد جهد جهيد، ومخاطبات ومحاولات تم التصريح لنا بوجود المرأة في المسلسل»! حاجز الخوف مثال آخر للدراما الخليجية التي كسرت حاجز الخوف وتميزت بالجرأة التي لم تكن مألوفة من قبل مسلسل «لعبة المرأة رجل» بطولة ميساء مغربي للكاتبة السعودية سارة العليوي. ويتناول المجتمع السعودي ومشاكل مثل ازدواجية المعايير. وعلى رغم نجاح الدراما الخليجية في فرض نفسها على الساحة الفضائية العربية في شكل واضح خلال الأعوام القليلة الماضية، إلا أنها تواجه عقبات، أبرزها ندرة المؤلف الدرامي القادر على بناء عمل محكم، وقلة المخرجين المتميزين، وشح الفنانات، ومن ثم باتت الحاجة ماسة إلى مؤسسات تعليمية في دول مجلس التعاون الخليجي لتدريس الفنون الإبداعية على أسس علمية رفيعة المستوى. الطريف أن النويري رصد مشكلة أخرى هي غلبة نوبات البكاء وحالات النكد في المسلسلات الخليجية في العقدين الأخيرين، وهو ما عزاه إلى تضاؤل دور المخرج في مواجهة سلطة ونرجسية المنتج الممثل، وتراجع التقيد بشروط القيمة الفنية في بيئة إنتاج درامي يغلب عليها طابع الهواة والتجارب المكتسبة. والمطلوب حالياً هو أن تتحول الدراما الخليجية لتصبح من أولويات المشاهد وليست مجرد حلقات ناجحة تفرض نفسها لبعض الوقت. ويعود النويري مجدداً ليلقي في ملعب الإنتاج، ف «معرقلات عدة تقف وراء تكلس الدراما الخليجية، لكن أغلبها بسبب مافيا القنوات التي خلفت حالة من الانغلاق والجمود بسبب تحكم مجموعة من مديري الإنتاج في بعض القنوات الخليجية، وفرض قوانينهم وأمزجتهم الخاصة عبر لعبة الصداقة والمحسوبية والمصالح التي تكون أولى ضحاياها الدراما. ولعل التخدير الأمثل يجري من خلال المسلسلات التركية التي تسيطر على الجانب الأكبر من ساعات البث التلفزيوني الدرامي العربي، ما فسره جانب من الحاضرين في ضوء نظرية المؤامرة ومحاولات الهيمنة التركية على العالم العربي من بوابة الدراما، وقلل من أهميته آخرون باعتبار أن الدراما التركية فرضت نفسها لعوامل تتعلق بتوافر شروط الجودة، على الأقل من وجهة نظر تجارية جماهيرية. ومن مطالب بوضع حد سريع لهذه الهجمة عن طريق منع أو ترشيد عرض المسلسلات التركية، وآخر مطالب بتعلم فنون الإضاءة والمونتاج وأبجديات صناعة الدراما الجاذبة بدلاً من إلقاء الاتهامات، أعلن الممثل السعودي عبد الله السدحان عن العمل الدرامي السعودي الجديد الموجه إلى العالم العربي تحت عنوان «هذا نحن» أو «هادا حالنا»، والذي سيبدأ تصويره قريباً، ولكن من دون رفيق الدرب ناصر القصبي!