كله كذب (بول سايمون) ... كلها مذابح. عشر سنوات على تفكيك الدولة العراقية. عشر سنوات على الكذبة الكبرى. كذبة توالدت أكاذيب. أخطرها ادعاء نشر الديموقراطية. أكثرها فظاعة تحويل العراق إلى واحة ونموذج للشرق الأوسط الجديد. من جورج بوش الإبن إلى توني بلير، ومن سيلفيو بيرلوسكوني إلى نظيره الإسباني خوسيه ماريا اثنار، كلهم تعمد الكذب. كانوا يكذبون ونحن نصدقهم. انفضاح كذبهم وعدم وجود أسلحة دمار شامل في العراق لم يمنعهم من التمادي في مشروعهم. محافظون وديموقراطيون، يساريون في حكومات عمال، أو يمينيون في حكومات استعمارية. كلهم استهتر بنا وبشعوبنا ومشاعرها. تحت شعار تخليصنا من الديكتاتورية دمروا كل شيء. سرقوا الآثار والتاريخ. مزقوا الجغرافيا. ساعدناهم في تفتيت اجتماعنا وعمراننا. أعادونا، وعدنا طيِعين، إلى ما قبل الدولة. استعدنا أمجاد القبائل والعشائر والمذاهب والطوائف. خسرنا دولنا ولم نربح حريتنا. استعدنا أبشع ما في الماضي لتدمير الحاضر والمستقبل. تاريخنا يسير على رأسه. الصراع على السلطة يبرر كل شيء. هم (الأميركيون والغرب) يريدون ثرواتنا. لا يأبهون لدين الحاكم أو طائفته أو مذهبه. المهم أن يكون تابعاً مطيعاً. يتحالفون مع الإسلاميين لمواجهة إيران، ومع ايران لمواجهة «طالبان». والإسلاميون يطالبون بالتدخل العسكري في سورية. وصلوا إلى الحكم في مصر وتونس وليبيا. لم يحيدوا عن سياسة من ثاروا عليهم وأطاحوهم. أعطوا أميركا ما تريد. استنهضوا التكفيريين لمواجهة اي معترض على سياساتهم. تركيا التي كانت إلى الأمس القريب عدواً أصبحت نصيراً. إسرائيل العدو الأساسي أصبحت صديقاً لبعضهم. عشر سنوات على تولي رجب أردوغان السلطة في تركيا. وقت كاف لتبيان حقيقته وسعيه إلى استعادة أمجاد السلطنة العثمانية. تصريحاته كلها لا تخلو من تأكيد هذا الهدف. وأمجاد السلطنة كانت على حسابنا. أبقتنا في العصور الوسطى فيما الغرب منقذنا من جور السلطان رسم حدودنا على مقاس الطوائف والقبائل (سايكس بيكو). مزج السلطان الجديد بين القومية والدين والإنتساب إلى الأطلسي. القومية الطورانية لشد عصب الأتراك في مواجهة الشعوب الأخرى. والدين للتعمية على الطموح القومي ومواجهة اليسار والعسكر في الداخل. أما الأطلسي فللإنتساب إلى الدول المتقدمة والتلويح بترسانته وغطائه السياسي في مواجهة أي معترض. لكن، لا الغطاء الديني ولا الترسانة الغربية استطاعت أن تحميه من ثورة الأكراد المستمرة من ثمانينات القرن الماضي. ثورة تهدد كل طموحات السلطان الجديد الذي لم يحسب لها حساباً عندما شارك في الهجوم على ليبيا واحتضن المسلحين السوريين. تبنى السلطان «الربيع العربي»، وإذ بالنوروز الكردي يفاجئه في الداخل والخارج. فاضطر إلى المصالحة، يحدوه إلى ذلك نفط كركوك، والحيلولة دون تمدد «ربيع» دمشق إلى الأناضول. لكن هذا المخرج موقت ولن يقنع الأكراد، حتى لو أمرهم أوجلان بإلقاء السلاح. وتولى غسان هيتو حكم المناطق السورية المحاذية لحدود السلطنة. النوروز الكردي يحاصر العراق وسورية... وتركيا أيضاً. والحراك العربي الذي بدأ ثورة ربيعية أصبح إعصاراً مرعباً يتربص بالجميع. الكذب ما زال أصدق الحقائق.