لا نتحدث عن الطوفان أبداً، أو عن فيضانات بغداد التي كان آخرها عام 1954. وحصل ما حصل بالناس. اليوم انتفض نهر دجلة وتذكر وقرر ان يفيض من جديد بسبب ركود الجثث فيه وكثرة عمليات «طمر الأسرار والمكائد» فيه. ان تهويل المسؤولين حول فيضان نهر دجلة والطلب من الأهالي إخلاء الأماكن القريبة من النهر هما كذبة، لأن حتى هذه تم تغييرها وأمست تصب في مصلحة قادتنا الأماجد! أغلب الاصدقاء كانوا في شارع المتنبي حيث تعودوا على عقد لقاء والقيام بفعاليات كثيرة أهمها الشعر. فجأة وصلته رسالة من والي بغداد وحاكمها وحامي حماها الحاج ابو الفقراء صلاح عبد الرزاق، مفادها ان يخلوا مكانهم حتى لا يغرقوا، والسبب يعود الى ان أغلب من كانوا هناك لا يجيدون السباحة. لنترك السباحة والفيضان ونتكلم بالجد. قد تكون هذه اشاعة حتى تنشغل الناس بشراء العوامات والنجادات فينسون عمليات الفساد وتصريحات المسؤولين التي تساعد على اشعال الحرب الطائفية. كل أحزاب الاسلام السياسي، من الطرفين، نجحت، وبتقدير ممتاز، في الهجوم بأقل عدد على أكثر نقطة تحصن حيث خالفوا نابليون في الخطط الحربية. لقد استطاعوا اليوم التمتع بكل شيء مع وجود من يدافع عنهم، ويمكن لهؤلاء مع الأسف ان يكونوا دروعاً واقية للفاسدين. هناك من يقول دفاعاً عن المذهب، وهناك من يقول نخاف من ان يذبحونا ووو...الخ. الدعاية التي استخدمها الطرفان خلال السنوات الماضية هي: الطرف الأول يؤكد: «نحن الشيعة منذ 1400 سنة لاقينا الويل والظلم وقدمنا أرواحاً كثيرة في سبيل المذهب والوطن، اذاً نحن نستحق السلطة لأننا زرعنا وعلينا الحصاد». اما الطرف الثاني فيقول: «نحن قدمنا كل غالٍ ورخيص من أجل المذهب والوطن، ونحن أصحاب خبرة في السلطة، ولا يمكننا ان نتنازل في يوم من الأيام عنها. لأننا من يستحقها». بطبيعة الحال كلام الطرفين لا ينفع أبداً، ولا يبني حجراً واحدة من أجل أساس قوي في عراق الوحدة والديموقراطية. لنفترض جدلاً ان الأساس تموضعه وتشييده وافتتاحه وقد صمد سنوات عدة، كما صمد سد الموصل المهمل نوعاً ما، وأصبحنا دولة مانحة نقدم الأموال للجميع حتى للمملكة المتحدة وترينداد وتوباغو. واذا وصلنا الى المنالفس تبقى مشكلة كبيرة أمامنا. اذا عاد نهرا دجلة والفرات بخيراتهما مع المطر الذي أحيا مناطق عدة وأغرق أخرى، سيبقى الجميع مكتوفي الأيدي. ويقول فلان ان الفرات يغذي محافظات حاضنة للأرهاب. وذاك يقول علينا ان نتفق على سد شريان العراق لأنه يعطي المياه للعملاء. لماذا لا ننسى ونتعلم من دروس الماضي وعدم ارتكاب الأخطاء من جديد. أول شيء علينا ان نقوم به هو أن نقدم التماساً للعراق، كشخص، نطالبه بتهدئة شرياني العراق. ولداه اللذان ملآ أرضه خضاراً او سواداً، كما كان يسمى العراق لكثرة الزراعة فيه. الالتماس هو: نحن أبناؤك الذين عثنا في أرضك فساداً. قمنا بعمليات قتل وذبح واغتصاب وتخويف وإرهاب للكل. باسمك وباسم الله وباسم الشعب الذي لم يذق طعم الفرح، ولم ير ألوان الملابس الزاهية، سامحنا يا عراق لأننا أخطأنا بحقك كثيراً. واننا نطالبك بتحديد رئاسة أوليائك وان كان هذا مخالفاً لقوانينك العامة. لنتملق لك. فأنت تستحق رفع اسمك من دون علم او مسميات أخرى (العراق) واقبلنا كتائبين عن أعمالنا الفاضحة وغير الانسانية، كالسحل والقتل وعمل المكائد. ونطالبك ان تذهب بوفد عالي المستوى والتمثيل الى منبعي النهرين وتنقل لهما الرسالة وتتوسل اليهما أنت أيضاً. لأن كلكامش عندما مات انكيدوا سجد له رغم ان الاول كان «الهاً». قل لهما قولاً كريماً، ونتعهد بأننا لن نرمي الجثث ومخلفاتنا ومخلفات مصانعنا المسمومة في مجريهما، ونتوقف عن هدر قطر دم واحدة ونكون سداً منيعاً في وجه من يريد. نحن على دراية تامة بأننا من دونهما سنبقى في ساحة الوغى بلا ناصر او معين. اقبلنا كما نحن بكل توجهاتنا وقومياتنا وألواننا لنستعيد معاً ضياءك البهي. في النهاية لا نريد ان نرفق لك رسالة مؤلمة وصورة جارحة لمنزل مهدم وعوائل مشردة بسبب قطرات المطر.