هل توقع أمريكا وأوكرانيا اتفاق المعادن ؟    رئيس مجلس الشورى يستقبل نظيره البحريني    انتصار الاتحاد الساحق على الهلال يحظى بإشادة عالمية    نمو تمويلات المصانع    السعودية تحتفي بيوم التأسيس وتستعيد تاريخ 3 قرون    هيئة الهلال الأحمر السعودي بمنطقة نجران تحتفي بيوم التأسيس 2025م    هيئة الهلال الأحمر بنجران ‏تشارك في احتفالات يوم التأسيس 2025    مكتبة الملك عبدالعزيز العامة تطلق غدًا معرض قلب الجزيرة العربية    فرع "هيئة الأمر بالمعروف" بنجران يشارك في الاحتفاء بيوم التأسيس    لوكا دونتشيتش يقود ليكرز لإيقاف سلسلة انتصارات ناغتس بعرض استثنائي    فن التصوير الفوتوغرافي في "يوم التأسيس" وأبراز التراث الجيزاني    مبعوث ترمب في المنطقة الأربعاء للتفاوض حول المرحلة الثانية    يوم التأسيس.. واستشراف المستقبل..    حملة توعوية عن "الفايبروميالجيا"    «منتدى الأحساء»: 50 مليار ريال ل 59 فرصة استثمارية    وادي الدواسر تحتفي ب "يوم التأسيس"    أمير القصيم يدشّن مجسم يوم التأسيس تزامنًا مع يوم التأسيس السعودي    بالأزياء التراثية .. أطفال البكيرية يحتفلون بيوم التأسيس    آل برناوي يحتفلون بزواج إدريس    برعاية مفوض إفتاء جازان "ميديا" يوقع عقد شراكة مجتمعية مع إفتاء جازان    محافظ رجال المع يدشن مهرجان البن الثاني بالمحافظة    برعاية ودعم المملكة.. اختتام فعاليات مسابقة جائزة تنزانيا الدولية للقرآن الكريم في نسختها 33    بيفول ينتزع الألقاب الخمسة من بيتربييف ويتوّج بطلاً للعالم بلا منازع في الوزن خفيف الثقيل    المملكة تهدي جمهورية بلغاريا 25 طنًا من التمور    رونالدو: تشرفت بلقاء ولي العهد السعودي في يوم التأسيس    مكافحة المخدرات تقبض على شخصين بالقصيم لترويجهما مواد مخدرة    الكرملين: انتقادات ترامب لزيلينسكي "مفهومة"    بنهج التأسيس وطموح المستقبل.. تجمع الرياض الصحي الأول يجسد نموذج الرعاية الصحية السعودي    فعاليات متنوعة احتفاءً بيوم التأسيس بتبوك    دامت أفراحك يا أغلى وطن    «عكاظ» تنشر شروط مراكز بيع المركبات الملغى تسجيلها    علماء صينيون يثيرون القلق: فايروس جديد في الخفافيش !    انخفاض درجات الحرارة وتكون للصقيع في عدة مناطق    8 ضوابط لاستئجار الجهات الحكومية المركبات المدنية    ذكرى استعادة ماضٍ مجيد وتضحياتٍ كبرى    لا إعلان للمنتجات الغذائية في وسائل الإعلام إلا بموافقة «الغذاء والدواء»    " فوريفر يونق" يظفر بكأس السعودية بعد مواجهة ملحمية مع "رومانتيك واريور"    حاصر جنازة الشهيدة الطفلة ريماس العموري "13 عامًا".. الاحتلال يتوسع بسياسة الأرض المحروقة في الضفة الغربية    الصندوق بين الابتكار والتبرير    هيئة الصحفيين تدشن هويتها الجديدة    في ذكرى «يوم بدينا».. الوطن يتوشح بالأخضر    رئيس "النواب" الليبي يدعو لتأسيس "صندوق" لتنمية غزة    تمنت للسعودية دوام التقدم والازدهار.. القيادة الكويتية: نعتز برسوخ العلاقات الأخوية والمواقف التاريخية المشتركة    لا "دولار" ولا "يورو".." الريال" جاي دورو    ابتهاجاً بذكرى مرور 3 قرون على إقامة الدولة السعودية.. اقتصاديون وخبراء: التأسيس.. صنع أعظم قصة نجاح في العالم    ضبط وافدين استغلا 8 أطفال في التسول بالرياض    تعزيز الابتكار في صناعة المحتوى للكفاءات السعودية.. 30 متدرباً في تقنيات الذكاء الاصطناعي بالإعلام    الاستثمار العالمي على طاولة "قمة الأولوية" في ميامي.. السعودية تعزز مستقبل اقتصاد الفضاء    مشروبات «الدايت» تشكل خطراً على الأوعية    جيسوس يُبرر معاناة الهلال في الكلاسيكو    نهج راسخ    الملك: نهج الدولة راسخ على الأمن والعدل والعقيدة الخالصة    الرافع للرياض : يوم التأسيس تاريخ عريق    جمعية رعاية الأيتام بضمد تشارك في احتفالات يوم التأسيس    الاتحاد يقسو على الهلال برباعية في جولة يوم التأسيس    من التأسيس إلى الرؤية.. قصة وطن    الدولة الأولى ورعاية الحرمين    لائحة الأحوال الشخصية تنظم «العضل» و«المهور» ونفقة «المحضون» وغياب الولي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مقاربة سورية - بوسنية
نشر في الحياة يوم 16 - 03 - 2013

بينما كانت تشتعل حرب البوسنة، التي امتدت طوال أربع سنوات قاسية، بكل ما كان فيها من قتل وقصف ومذابح واغتصاب ممنهج للنساء ودمار لمدن تاريخية وتطهير عرقي وتهجير (والمقاربة هنا جلية مع الحرب في سورية)، لم تتوقف لحظةً العملية الديبلوماسية المملة والمسوفة، التي سعت لحلٍّ سلمي بين المتقاتلين، اجتماعات ومفاوضات بين الأميركيين والأوروبيين من جهة، والروس الذين كانوا يدعمون الجانب الصربي المعتدي ويقدمون له شتى المبررات (تاريخ يعيد نفسه في سورية). في الوقت نفسه وعبر قنوات سرية، كان السعوديون والأتراك والماليزيون والسودانيون، بل والإيرانيون أيضاً يُرسلون الأسلحة لإخوانهم في البوسنة.
كل يوم كانت ثمة قصة للإعلام: مذبحة سوق سراييفو الشهيرة.. حصار موستار.. تدمير جسرها الشهير.. اجتماع في واشنطن أو فيينا.. تهديد بإحالة القيادات الصربية إلى محكمة الجنايات الدولية.. قرار بحظر السلاح عن كل الأطراف.. مجاهدون عرب يغرون كتّاب أعمدة في الصحف الأوروبية للتحذير من قيام جمهورية إسلامية أصولية في قلب أوروبا، في مقابلهم النازيون الجدد من ألمانيا والسويد ينضمون إلى الكروات في حربهم ضد المسلمين في بداية الحرب، ويعترفون لاحقاً بأنهم شاركوا في مذابح (مقاربة هنا مع مشاركة «حزب الله» والأصوليين الشيعة مع النظام ضد الثورة).
أحياناً كانت تلوح في الأفق لحظات توحي بأن ثمة مخرجاً للأزمة بعد اجتماع بين وزيري خارجية روسيا الاتحادية الناشئة وقتذاك والولايات المتحدة، ولكن سرعان ما تتلاشى الآمال. كان الأوروبيون يُظهِرون اهتماماً، بل أرسلوا حتى قوات حفظ سلام، ولكنهم كانوا يتحاشون المواجهة مع الصرب حتى عندما تجري مذبحة هائلة تحت أبصارهم. كان مسلمو البوسنة الحلقة الأضعف، فتحالف حتى الكروات الذين يكرهون الصرب ضدهم لضم بعض من أراضيهم الى جمهوريتهم الناشئة، ولكن صمود المسلمين أدى إلى أن يحترمهم العالم الغربي الذي كان سيقبل باقتسام الصرب والكروات جمهورية البوسنة لو لم يصمد المسلمون، على رغم أن كل الظروف والاحتمالات كانت ضدهم. إنه العالم نفسه الذي كان مستعداً أن يعيد بشار الأسد إلى رحابه لو انتصر في صيف 2011 على شعبه.
الآن يبدو أن ثمة لحظة فارقة في أفق الصراع، فالقوتان العظميان اتفقتا على ضرورة التوصل إلى حل سلمي، فبدأتا بالضغط على النظام لتشكيل فريق مفاوض تقبله المعارضة، ثم سيفرضون على المعارضة أن تقبله. مَن المستعد أن يراهن أن مسعى كهذا يمكن أن ينجح؟ إذا افترضنا أن المعارضة السورية لم تنقسم، أو قبلت على مضض بتكليف زعيمها معاذ الخطيب الذي تزداد شعبيته بفضل صراحته واستعداده أن يقود، فيترأس فريقها إلى مفاوضات تجرى في موسكو، لمعالجة عقد النقص الروسية المستفحلة، يجلس أمامه وليد المعلم وبثينة شعبان، ولا بد من اثنين على الأقل يمثلان المنظومة الأمنية الأخطبوطية في سورية، ولا بد من أن يكونا من الطائفة العلوية. عن يمين الخطيب بعض قيادات «الجيش الحر» من الداخل وممثلون للأقليات، علوي ومسيحي وهؤلاء موجودون في صفوف الائتلاف، «الإخوان المسلمون» لن يصروا على التمثيل، فهم يراهنون على الداخل والمستقبل. من الضروري لإظهار جدية المجتمع الدولي أن يكون على رأس الطاولة وزيرا الخارجية الأميركي والروسي، وبينهما الأمين العام للجامعة العربية ومبعوث الأمم المتحدة الأخضر الإبراهيمي.
أول بند سيكون بالطبع وقف إطلاق النار، ستقبل به المعارضة، أما وفد النظام فسيحاول أن «يتشاطر» كما لو أنه في حوار تلفزيوني، سيقول أحدهم إن الدولة مسؤولة وفق الشرعية الدولية عن حماية أمن مواطنيها، وإنهم سيقبلون بوقف إطلاق النار، وعليه يجب أن يحتفظوا بحق الرد في حال تعرضت منشآت الدولة أو المواطنون «لاعتداء من العصابات المسلحة»، حينها لا بد من أن «يشخط» الوزير الأميركي جون كيري بوضوح ويقول إن النظام هو الذي يقتل، وإنهم هنا طرف وليسوا ممثلين لدولة، ثم يضيف أن وقف إطلاق النار ستتم مراقبته من بعثة على الأرض وعبر الأقمار الاصطناعية، لتحدد من الذي سينتهك الاتفاق. لا بد من أن يكون ثمة اتفاق مسبق على ذلك بينه وبين نظيره الروسي لافروف حتى لا يختلفا أمام الكاميرات، فلا معنى لاتفاق وقف إطلاق نار من دون آلية أممية لمراقبته ومعاقبة منتهكيه، ويشمل ذلك القصف بالطائرات وصواريخ «سكود» قبل معارك الزواريب التي تصعب السيطرة عليها تماماً.
وفد النظام يعلم أنه إذا تم الاتفاق على قرار بوقف إطلاق النار يضمنه قرار أممي يصدر عن مجلس الأمن، فإن ذلك يعني نهاية النظام، فحينها عليه الانتقال إلى البند الثاني وهو إجراءات نقل السلطة إلى حكومة انتقالية، فالنظام عاش بالبندقية ولن يستمر من دونها، إنه يعلم ذلك.
السلام يعمل لمصلحة المعارضة، وليس النظام، ففي اللحظة التي يتوقف فيها قصف الدبابات والقصف الصاروخي والقنص في المدن الثائرة، ستشتعل ثورة شعبية من جديد حتى في المناطق التي لا تزال تحت سيطرة النظام، بل حتى دمشق التي تبدو موالية في الغالب ستعود إليها أجواء الربيع العربي، هذه الثورات رأيناها في مصر وتونس واليمن. إنها شعبية تتحرك من دون زعيم، قد تتوجه نحو المقار الأمنية تحرقها، نحو القصر الرئاسي وتعتصم أمامه وتصرخ في الرئيس إن كان لا يزال هناك وعاجزاً عن قراءة المشهد «ارحل.. ارحل».
هل يمكن أن يتحول الجيش السوري الطائفي الذي استمرأ القتل، أن يتحول فجأةً وبعد «اتفاق السلام» إلى «جيش مصري» يحتضن الأطفال، ويسمح للمتظاهرين بالتقاط الصور التذكارية، وهم يعتلون دباباتهم؟ أشكك في ذلك، بل أشكك في أن يوافق لافروف على أن يصدر اتفاق وقف إطلاق النار بقرار من مجلس الأمن، وهو قرار لن يصمد إن لم يصدر بضمانة دولية تحت البند السابع.
إذاً ستستمر الحرب التي بدأت «تطفح» إلى خارج سورية، إلى العراق ولبنان وتركيا (قامت الأخيرة بعملية خاصة الأسبوع الماضي داخل سورية لتعقب عنصر استخبارات سوري فجّر سيارة مفخخة في معبر باب الهوى داخل الأراضي التركية). أما الأردن فتورطه «السري» يزداد كل يوم. سيستمر الزحف البطيء نحو دمشق، ويتبادل النظام والمعارضة السيطرة على بابا عمرو في حمص، وتستمر دول المنطقة في تسليح المعارضة، وستدخل على خط التسليح دول غربية لعمل توازن بين النظام والمعارضة مثلما قال وزير الخارجية البريطاني وليم هيغ، ويزداد تدفق المغامرين الشيعة من العراق، وعناصر «الحرس الثوري» و»حزب الله» على سورية لإضفاء بعد طائفي على الصراع، ومثلهم مغامرون سعوديون وشيشان وأتراك ومصريون وليبيون، بعضهم يأتي إيماناً بالحرية، وآخر يبحث عن الدولة الإسلامية المفقودة.
أو أن تأتي لحظة رئيس شجاع مثل بيل كلينتون ليأمر بقصف مواقع القوات الصربية مثلما حصل في 30 آب (أغسطس) 1995. بعد أسبوعين رضخ الصرب وتخلوا عن صلفهم وغبائهم وتوجّه بشار الأسد... عفواً سلوبودان ميلوسوفتش إلى دايتون الأميركية ليوقع بعد شهر اتفاقاً ينهي حرباً كان يمكن إيقافها قبل أربع سنوات وقبل تدمير مدن البوسنة التاريخية وقتل 200 ألف مواطن، واغتصاب 50 ألف امرأة.
* كاتب وإعلامي سعودي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.