أحدثت التصريحات السياسية الجديدة المتشددة للنائب الأول لرئيس الحكومة الإسرائيلية موشي يعالون الذي أكد فيها «حق اليهود في السكن في أنحاء أرض إسرائيل الكبرى» ودعا إلى عدم الخنوع للأميركيين ووصف اليسار الإسرائيلي ب «الفيروس»، عاصفة في الساحة السياسية اضطرت رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو إلى استدعاء نائبه «لاستيضاح تصريحاته التي لا تمثل مواقف الحكومة»، فيما رأى أقطاب حزب «كديما» المعارض أن هذه التصريحات تعكس في واقع الأمر مواقف نتانياهو وحزبه «ليكود» الحقيقية. وأصدر مكتب نتانياهو بياناً جاء فيه أن الأخير سيدعو، بعد أن ينهي إجازته مع عائلته، يعالون لمحادثة على انفراد. وأضاف ان تصريحات يعالون ليست مقبولة على رئيس الحكومة، لا في مضمونها ولا في أسلوبها ولا تمثل مواقف الحكومة. وأضاف: «في نظام تعددي، يرى رئيس الحكومة وجوب الحفاظ على الاحترام المتبادل ووحدة الشعب، وبالذات الآن في وقت تواجه إسرائيل تحديات كبرى ومصيرية لمستقبلها». ونقلت صحيفة «معاريف» عن أوساط قريبة من نتانياهو وعن قياديين آخرين في «ليكود» انزعاجهم من تصريحات يعالون الأخيرة «التي تربك ليكود والحكومة على السواء». وأضافت أن نتانياهو سيوبخ بشدة نائبه الأول على «الشرعية التي منحها ل(رئيس القيادة اليهودية داخل ليكود المتطرف موشي) فيغلين الذي يحاول نتانياهو منذ فترة إقصاءه عن حزب ليكود». وكان فيغلين نجح قبل سنوات في التسلل مع مئات الأعضاء من حركته إلى «ليكود» بهدف حرفه إلى اليمين المتشدد. ويرفض فيغلين النظام الديموقراطي ويدعو إلى دولة شريعة تؤمن باللجوء إلى العنف لحل المشاكل. وحاز فيغلين على المكان العشرين في لائحة «ليكود» للكنيست الحالي، لكن نتانياهو نجح في إبعاده إلى مكان غير مضمون. أما المحللون في الشؤون الحزبية فرأوا أن يعالون يجنح نحو اليمين المتشدد استعداداً لمعركته المقبلة على زعامة حزب «ليكود» عندما يحين الوقت لذلك «أو حين يسقط نتانياهو»، أو لتزعم معسكر «اليمين القومي» إذا لم يتمكن من تحقيق مراده في «ليكود». وكشفت وسائل الإعلام العبرية شريطاً مسجلاً لتصريحات يعالون في اجتماع عقده فيغلين الأحد الماضي بحضور العشرات من ناشطي حركته، تضمن مواقف سياسية متشددة أكدها في تصريحاته العلنية الاثنين الماضي أثناء تجواله في بؤر استيطانية عشوائية في الضفة الغربية حين أعلن أن البؤر شرعية، داعياً الحكومة إلى درس إمكان إعادة بناء مستوطنة «حومش»، واحدة من أربع مستوطنات شمال الضفة أخلتها إسرائيل قبل أربعة أعوام في إطار خطة «فك الارتباط» عن غزة التي اعتبرها خطأً. وقال يعالون وسط تصفيق الحاضرين من ناشطي «القيادة اليهودية»: «تعودنا على أنه مسموح للعرب العيش في كل مكان، في الجليل ونابلس وجنين، بينما هناك مناطق ممنوع على اليهود السكن فيها ... نحن الذين تسببنا بهذا الوضع ... عندما نقول أن البؤر غير قانونية هذا ضرر جسيم ... بالنسبة الى الاستيطان يمكن ويجب أن يقيم اليهود في كل مكان في أرض إسرائيل للأبد». وأضاف أنه عام 1948 أقيم «كيبوتس لهفوت حبيبة» وفقط في عام 1980 حصل على ترخيص «ولم يفكر احد في تفكيك هذا الكيبوتس»، في إشارة إلى وجوب انتهاج السياسة ذاتها مع البؤر الاستيطانية التي أقيمت في أنحاء الضفة بلا تراخيص بهدف تشريعها. يذكر ان يعالون ترعرع في كيبوتس (يغلب على سكان الكيبوتسات أنهم من الوسط واليسار في إسرائيل)، لكن مع وصوله إلى رئاسة هيئة أركان الجيش عام 2002 تبنى مواقف يمينية متشددة خصوصاً من الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، ولجأ إلى «القبضة الحديد» لقمع الانتفاضة الثانية، ودعا إلى وجوب تحقيق النصر على الفلسطينيين بهدف «كي الوعي» وردعهم. وخلال ولايته أقيمت نحو 40 بؤرة استيطانية جديدة وسط غض طرف من جيش الاحتلال. وفي الاجتماع المذكور، دعا يعالون إلى معاقبة سكان قطاع غزة «من خلال فك الارتباط عنه نهائياً ... لا كهرباء ولا ماء ولا خضراوات ولا فاكهة، يجب عدم تزويدهم الغذاء أو المال». وأضاف مستهتراً بجهود الحكومات اليسارية للتوصل إلى سلام مع العرب: «في كل مرة أحضر لنا اليسار حمامة سلام، اضطررنا نحن في الجيش إلى التنظيف وراءها». وتابع أنه لا ينبغي على الحكومة الخنوع للضغوط الأميركية في شأن تجميد البناء في المستوطنات. وأضاف: «أنا شخصياً لا أهاب الأميركيين ... لكن هناك أعضاء في الحكومة يخافون من (الرئيس باراك) أوباما ... هناك أمور يجب أن نقول فيها للولايات المتحدة: كفى، إلى هنا ... لأن القيام بأمور لا نؤمن بها (تجميد البناء) يعني التدهور في منزلق خطر». يعالون يصف اليسار بالفيروس ووصف يعالون حركة «السلام الآن» اليسارية المناهضة للاستيطان ب «الفيروس». وهاجم الإعلام الإسرائيلي وقال إن له نفوذاً هائلاً: «إنه يؤثر حتى على رئيس الحكومة ... وهذا مقلق». وتابع إن ما يعرف بالنخب في إسرائيل يلحق ضرراً بالغاً بها، «إنها تؤثر على السجال العام في إسرائيل بشكل مشوِّه وكاذب ومراوغ ومضلل». وأردف قائلاً: «ثمة مراكز قوة نافذة أخرى لكنها لا تتحلى بالمسؤولية، وهذا غير ديموقراطي ... حيتان المال هم أحد هذه المراكز، والمحكمة العليا أيضاً». «كديما» وأصدر حزب «كديما» بياناً شديد اللهجة دان فيه يعالون وتصريحاته وحزب «ليكود»، وقال: «هذا هو الوجه الحقيقي لنتانياهو ... النائب الأول لرئيس الحكومة هشّم هذا الأسبوع إلى شظايا سياسة غض الطرف والأوهام التي وزعها نتانياهو، وأظهر الوجهة الحقيقية لهذه الحكومة». وأضاف: «طالما بقي يعالون عضواً في الحكومة، فإن ما يقوله نتانياهو للخارج ليس مهماً ... محور نتانياهو – يعالون – فيغلين يعرّض مصالح إسرائيل وقدراتها للتوصل إلى تسوية تحافظ على هذه المصالح، إلى الخطر». وقال القطب في الحزب وزير الأمن الداخلي السابق آفي ديختر إن نتانياهو يقطف ثمار سياسة غض طرفه عن تصريحات سابقة ليعالون، «ويبدو أنه مستعد للتعايش معها وربما يشجعها ليضمن سلامة ليكود». وتابع إن مواقف يعالون «مماثلة تماماً لمواقف زملائه في ليكود، لكنه يختلف عنهم بأن جهيرته تنم عن سريرته». وعقب المدير العام لحركة «السلام الآن» اليسارية المناهضة للاستيطان يريف اوبنهايمر على تصريحات يعالون قائلاً إن محاولة شمل الإعلام والمحكمة العليا واليسار الإسرائيلي في رزمة واحدة وتقديم الدولة على أنها رهينة بيد النخب، يمثل موقفاً فاشياً يؤمن به اليمين المصاب بالهلوسة. وأضاف أن يعالون يشكل خطراً استراتيجياً حقيقياً على الديموقراطية في إسرائيل، «وأقواله التي لا علاقة لها بالواقع تنم عن بارانويا». ورد فيغلين على الهجوم على يعالون بالقول إن وصف الأخير لحركة «السلام الآن» بالفيروس «هو إهانة للفيروس ... هذه الحركة تسببت بأضرار لإسرائيل فاقت الأضرار التي تسببها كل الأمراض الخطيرة». وأضاف أن السواد الأعظم من وزراء ليكود يشاطره ويعالون الرأي «ويتماهى بغبطة مع كل كلمة قالها يعالون».