أن تحضر مؤتمراً أو معرضاً واحداً في العام يعطيك كل الاستمتاع أنت كمتابع أو مهتم، ويبهرك من حضور ومشاركة جهات متخصصة، وتجد متعتك فيه، خيراً من أن تحضر عشرة معارض لا تسمن ولا تغني من جوع وتصاب بالملل، ليس فيها ما يجعلك تستمتع سوى أنها مناسبة أقيمت وسجلت في قائمة الفعاليات. لم تعد المؤتمرات والفعاليات والمعارض العالمية مناسبات عابرة مدتها يومان أو أسبوع وينتهي كل شيء، اقتصادياً هذه المؤتمرات والمعارض تشكل دخلاً جيداً وحضوراً لافتاً من الزوار، وسباقاً بين كبرى الشركات والمؤسسات العلمية للمشاركة والحضور، وتسهم في تنشيط كل أدوات وقطاعات الإعلام والعلاقات العامة وقطاع الخدمات من فنادق ومواصلات وتسوق وتخلق فرص عمل موقتة للشباب والشابات. في السعودية لا تستطيع أن تتذكر حدثاً مهماً لفت انتباهك أو شدك، سواء كان مؤتمراً أو معرضاً، على رغم أن الجدول مليء بالفعاليات، أهمها المعارض والمؤتمرات العقارية التي تملأ مدن الرياضوجدة والمنطقة الشرقية، وتستغرب أنه لا يوجد سوى عدد محدود لشركات تنظيم المعارض في السعودية، بينما هناك الكثير من المؤسسات والجهات التي تستحصل على ترخيص، إما من إمارات المناطق وبعض الجهات الحكومية لإقامة مهرجانات شعبية وعشوائية وغير منظمة أكثر من يمكن إطلاقها أنها أسواق شعبية لا تمت لصناعة المهرجانات والفعاليات بأي صلة. يعيب صناعة المعارض في السعودية أنه لا توجد مؤسسات مساندة تملك خبرة عالية في تحويل المنتج إلى سلعة مطلوبة باستمرار كما أنها لا تملك أدوات التطوير ما يجعلها تفقد بريقها ويصبح حدثاً عادياً، ولعل ما يجعل صناعة المؤتمرات والمعارض والمهرجانات في السعودية ضعيفة وهزيلة وهو أن مؤسسات الدولة تمارس دور الرقيب المسلط على كل ما تحتاجه هذه الصناعة من ضغوط على الشركات والمؤسسات وقيود على المشاركين، وأيضاً بيع تراخيصها لأشخاص عدة كمقاولين من الباطن، فضلاً عن المفاجآت التي لا تتوقعها من المؤسسات الدينية وبعض أفراد المحتسبين التي بإمكانها أن تلغي أو توقف نشاطاً كلف الملايين، فور أنه لا يتماشى مع التعاليم الدينية. مع أن الجهات الحكومية التي أصدرت الترخيص وضعت ضوابط محددة، فما حاجة هؤلاء الأفراد للتدخل والإلغاء، وهذا ما يسبب ي هجرة الكثير من الأنشطة والفعاليات إلى دول مجاورة، وإن أقيمت تبدو هزيلة ومريبة. الكثير من الدول المتقدمة في صناعة الفعاليات تجاوزت من المؤتمرات والمعارض المحلية إلى استقطاب أحداث عالمية ذات سمعة دولية، وتسجل حضوراً من مختلف دول العالم، وتتسابق من أجل الحصول أو الفوز بتنظيمه... مدينة سيول الكورية أعلنت العام الماضي جدولاً زمنياً وخططاً تمتد لثمانية أعوام مقبلة، بإعلانها استضافة 100 مؤتمر دولي، وتوقعت الخطة أن تبلغ قيمة عائدات هذه المؤتمرات على الاقتصاد أكثر من بليون دولار، وتتوقع المدينة أن تبلغ التأثيرات الاقتصادية الناتجة عن استضافة المؤتمرات الدولية تريليون و300 بليون وون، أي نحو 1.13 بليون دولار، إضافة إلى الإسهام الكبير في تنمية المجالات ذات العلاقة. في منطقة الخليج تعد دبي واحدة من أهم المناطق التي تجيد صناعة سياحة المعارض والمؤتمرات وتدر عوائد مرتفعة، وتمتلك حصة تقدر ب 40 في المئة من سوق صناعة المؤتمرات في منطقة الخليج، وتقدر العائدات السنوية لها بنحو ثلاثة بلايين درهم سنوياً. الأسابيع الماضية تابعت استعداد حكومة دبي لاستضافة معرض «أكسبو» الدولي في نسخته 2020، وكمراقب اقتصادي شاهدت تكاتف معظم مؤسسات الدولة والقطاع الخاص من أجل الفوز بتنظيم هذا المعرض العالمي، وكذلك التحدي الذي أظهره فريق التسويق من أجل أن تفوز مدينة دبي باستضافة هذا الحدث الاقتصادي المهم... ومعرض «اكسبو» هو معرض لمنتجات الصناعة من دول العالم، ويهدف إلى التنوع الثقافي والإبداعات التكنولوجية، وهذا المعرض يقام كل خمس سنوات، ويستمر لفترة أقصاها ستة أشهر، إذ تستقطب ملايين الزوار، أقيم للمرة الأولى في لندن عام 1851، في 2010 أقيم في شنغهاي، وسوف تستضيفه مدينة ميلانو الإيطالية عام 2015 بعد أن أزاحت مدينة أزمير التركية التي كان من المتوقع أن تستضيفها بفارق الأصوات، على مدى تاريخ تنظيم معارض اكسبو الدولية لم يتم استضافتها من قبل في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا وجنوب شرق آسيا. إعلان دبي رغبتها في استضافة اكسبو 2020، هو تحدٍ للمعطيات التي تمتلكها، وأيضاً اختبار لفريق العمل معها، ورغبتها منافسة المدن العالمية، والحقيقة أن مدينة دبي ليست مدينة خليجية، بل هي مدينة عالمية تقع في الخليج بمقومات دولية، تمتلك خبرات متنوعة ومتعددة في مجالات مختلفة، يؤهلها أن تتحدى وتنافس، لكونها أكثر مدن الخليج خبرة وأيضاً استقطاباً للزوار والسياح لفعالياتها المتعددة وبرامجها المتنوعة. استضافة اكسبو سيحقق عوائد مالية لمدينة دبي تقدر بنحو 37 بليون دولار، بحسب تصريحات الشيخ أحمد آل مكتوم رئيس هيئة الطيران المدني في دبي، وسيكون مسؤولاً عن إيجاد نحو 277 ألف فرصة عمل في الإمارات خلال الأعوام الثمانية المقبلة، في حين سيمتد الأثر الاقتصادي على صعيد إقليمي أوسع نطاقاً، إذ ستسهم كل وظيفة من هذه الوظائف داخل الدولة في الحفاظ على استدامة 50 وظيفة على امتداد منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. هذا الحدث الاقتصادي المهم، على رغم أنه لم يصل إلى مراحله النهائية لحسم المدينة التي ستفوز باستضافة «اكسبو 2020»، إنما تقرر أن تدخل المنافسة وسط منافسين أقوياء مع بقية المدن العالمية هو تحدٍ وإصرار، وأيضاً ثقة. من المعلوم أن دبي تخوض منافسة قوية، إذ يضم السباق الدولي أربعة بلدان أخرى تسعى إلى استقطاب المعرض، وهي البرازيل وتايلند وموسكو وتركيا، ومن المنتظر أن يتم حسم المنافسة باختيار الدولة الفائزة عبر عملية تصويت سيشارك فيها ممثلون عن جميع الدول الأعضاء في المكتب الدولي للمعارض، والبالغ عددهم 163 دولة في شهر تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل وإعلان اسم الفائز. شعرت بخجل شديد وأنا أكتب مقالتي هذه حينما اتصلت بصديقين عزيزين لي ولهما خبرة واسعة في مجال المؤتمرات والمعارض الدكتور عبدالله بن محفوظ، وهو عضو مجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعة في جدة، ومسؤول في لجنة تنظيم المعارض، والصديق محمد المطوع، وهو أحد فقهاء تنظيم المعارض في السعودية، وسألتهما، إن كانت السعودية لديها القدرة على استضافة أو الدخول في منافسة إقامة مثل هذه المعارض والمؤتمرات، جاءني ردهما محبطاً أنه لا يمكن أن تفكر حتى إلى عام 2050. * إعلامي وكاتب اقتصادي. [email protected] @jbanoon