ما أن وقعت سويسرا والولاياتالمتحدة بعد ظهر الأربعاء اتفاقاً لمعالجة مشكلات ودائع 52 ألف أميركي متهمين بالتهرب الضريبي لدى بنك «يو بي اس»، حتى أعلنت الحكومة السويسرية مساء اليوم ذاته عن بيع حصتها في أسهم البنك البالغة 9 في المئة وتقدر قيمتها بنحو ستة بلايين دولار، كما ستحصل الحكومة على بليون ونصف بليون دولار من البنك، كرسوم وفوائد عن الدعم الحكومي لإنقاذه من الإفلاس، الذي كان سينعكس سلباً على اقتصاد سويسرا وساحتها المالية. وهكذا تكون الحكومة السويسرية وفت بعودها بالخروج سريعاً من الإستثمار في اسهم البنك، لا سيما أن النزاع القضائي مع سلطات الضرائب الأميركية انتهى. وأوضحت الحكومة انها ستبيع الأسهم عبر مؤسسة مالية متخصصة وستهتم أولاً بعرض 233 مليون سهم على مؤسسات استثمارية محلية مثل صناديق تأمينات التقاعد والمعاشات، على رغم ظهور عدد كبير من المستثمرين الأجانب المهتمين بها. وبينما سادت توقعات بتراجع سعر السهم أثناء التداول في بورصة زوريخ امس، نتيجة عرض تلك الكمية الهائلة من الأسهم، فوجىء كثر بارتفاعه بنسبة 4 في المئة حتى منتصف نهار امس، ما يعكس تنافساً في الحصول عليها بسبب انتهاء الأزمة القضائية مع الولاياتالمتحدة، اذ يعتقد محللون أن الحرص على امتلاك الأسهم لن يؤثر كثيراً على أسعار التداول لرغبة جميع الأطراف في الإستفادة من الفرصة. ورحبت هيئة الراقبة المالية السويسرية في بيان، بتلك الخطوة واعتبرتها دليلاً على استقرار الوضع المالي للبنك، وأن خطوة الحكومة السويسرية لدعمه كانت صحيحة لعدم عثور البنك على مستثمرين أثناء أزمته، كما اعتبر البنك الوطني السويسري أن تحويل مساهمة الحكومة إلى أسهم وبيعها، دليل على ثقة السوق في قدرات البنك على مواجهة التحديات، بينما يبقى مجهولاً مصير اربعين بليون دولار كان البنك الوطني السويسري اشترى بها ما توصف بأصول فاسدة من بنك «يو بي اس». في الوقت ذاته، لا تزال ردود الفعل تتوالى بعد الإعلان عن تفاصيل الإتفاق لإنهاء مشكلة «يو بي اس» مع سلطات الضرائب الأميركية، ستقدم سويسرا بموجبها بيانات عن حسابات 4450 مودعاً أميركياً، من خلال طلب تعاون قضائي من السلطات الأميركية في إطار اتفاق منع الإزدواج الضريبي بين البلدين، على أن يبت الأمر خلال سنة. وأكد وزارء العدل والشرطة والخارجية والمال في مؤتمر صحافي مشترك مساء الأربعاء، أن تلك الإجراءات ستتم وفق القانون السويسري، على أن تبدأ معالجة 500 حالة خلال 90 يوماً من تاريخ تقديم طلب التعاون القضائي، وتقفل بقية الملفات خلال سنة من تاريخه. ورأت التيارات السياسية الليبرالية أن الحكومة كانت موفقة في تعاملها مع هذا الملف، وأكد الحزب الليبرالي أن البنوك يجب أن تتعظ بتلك التجربة، وتحترم قوانين الدول الأجنبية التي تعمل فيها، ولدى البنوك السويسرية ودائع ضخمة من مواطني تلك الدول. بينما اعتبر الحزب الإشتراكي أن تفاصيل الإتفاق تؤكد أن «يو بي اس» انتهك القانون، ويصر على تقديم مديريه السابقين إلى العدالة، كما طالب البنك بضرورة تغيير نظام عمله على «أسس نظيفة»، معرباً عن أمله في أن تبدأ الساحة المالية السويسرية في التعامل مع مفهوم السرية المصرفية بعيداً من «التعاملات المشبوهة». ويتفق حزب «الخضر» مع هذا الرأي، بل يرى أن البنك تعامل في الحالات المطلوب الكشف فيها عن تفاصيل ودائع، بطريقة مخالفة تماماً للقانون، ويعتبرها فضيحة في حد ذاتها. في الوقت ذاته يؤكد الأستاذ في المعهد السويسري للبنوك في جامعة سان غالن السويسرية الإقتصادية، البروفسور هاينريش فون فيس، على أن «لا فائدة الآن من تقويم اداء الحكومة السويسرية وإذا جاء تحركها متأخراً أم في الوقت المناسب والإتجاه الصحيح، لأن الأهم ، بحسب رأيه «أن البنك لم يمثل أمام القضاء الأميركي». لكنه أكد في حديثه الى «الحياة»، أن «تفاصيل الإتفاق ستنعكس سلباً على المودعين لدى البنك، اذ سيشككون في مدى صمود السرية المصرفية أمام الضغوط السياسية، وفي الوقت نفسه ستفقد الساحة المالية السويسرية جاذبيتها التاريخية أمام منافسين من دول أخرى». واشار ايضاً إلى أن البنوك الأجنبية المسجلة في سويسرا ستوضع بدورها تحت ضغوط كبيرة، بسبب تلك التغيرات الجديدة، معرباً عن ثقته في «أن دولا أخرى ستبدأ في التفاوض مع سويسرا للمطالبة بالمعاملة بالمثل، ما سيشكل عبئاً على الحكومة السويسرية من ناحية، وسيؤثر بالتأكد على سمعة الساحة المالية السويسرية». تبقى المشكلة الحقيقية بحسب إجماع مراقبين استطلعت «الحياة» آراءهم، متمثلة في بداية سلسلة من الخطوات المشابهة قد تقوم بها سلطات الضرائب الأميركية ضد بنوك سويسرية أخرى، مثل «كريدي سويس» أو «يلويوس بير»، ما يعني، بحسب رأيهم، أن «السرية المصرفية السويسرية الشهيرة قد انتهت أو على الأقل لم تعد كما كانت من قبل».