الذهب لأعلى أسعاره في 2025    القطاع الخاص يسدد 55% من قروضه للبنوك    6 فوائد للطقس البارد لتعزيز الصحة البدنية والعقلية    5 أشياء تجنبها لتحظى بليلة هادئة    السعودية تبدأ أول عملية بيع سندات في عام 2025    أمطار جدة: الأمانة تتحرك.. الهلال الأحمر يتأهب.. والمطار ينصح    سفير فلسطين: شكراً حكومة المملكة لتقديمها خدمات لجميع مسلمي العالم    الذكاء الاصطناعي ينجح في تنبيه الأطباء إلى مخاطر الانتحار    المدينة المنورة تسجّل أعلى كمية ب (49.2) ملم    وزيرا الصحة و«الاجتماعية» بسورية: شكراً خادم الحرمين وولي العهد على الدعم المتواصل    «شاهقة» رابغ الأقوى.. المسند: خطيرة على السفن    في ربع نهائي كأس خادم الحرمين الشريفين.. كلاسيكو مثير يجمع الهلال والاتحاد.. والتعاون يواجه القادسية    في ثاني مراحل رالي داكار السعودية 2025.. الراجحي والعطية في مقدمة فئة السيارات    أمير المدينة المنورة يستقبل المواطن محمد اللهيبي المتنازل عن قاتل ابنته    محافظ الطائف: القيادة مهتمة وحريصة على توفير الخدمات للمواطنين في مواقعهم    سلمان بن سلطان يستقبل اللهيبي المتنازل عن قاتل ابنته    هندي ينتحر بسبب «نكد» زوجته    النائب العام يتفقد مركز الحماية العدلية    بداية جديدة    أهمية التعبير والإملاء والخط في تأسيس الطلبة    ليلة السامري    تنامي السجلات التجارية المُصدرة ل 67 %    العداوة الداعمة    بلسان الجمل    جلوي بن عبدالعزيز يُكرِّم مدير عام التعليم السابق بالمنطقة    قوات الاحتلال تواصل قصف المدنيين    احتياطات منع الحمل    البلاستيك الدقيق بوابة للسرطان والعقم    جهاز لحماية مرضى الكلى والقلب    سورية.. «خارطة طريق» نحو الاستقرار    خالد بن سعود يستعرض منجزات الهلال الأحمر في تبوك    اللهمّ صيّباً نافعاً    عبور 60 شاحنة إغاثية سعودية منفذ نصيب تحمل مساعدات للشعب السوري    القيادة رسمت مسار التنمية المستدامة والشاملة    انطلاق فعالية "نَوّ" بالقرية العليا    أمير حائل يفتتح «مهرجان حرفة»    وزير الخارجية يناقش المستجدات الإقليمية مع نظيره الأمريكي ومع آموس الوضع في لبنان    "ميلان" يُتوّج بلقب السوبر بعد تغلّبه على "إنتر ميلان" بثلاثية في الرياض    الفريق الفتحاوي يواصل استعداداته لمباراة الوحدة وإدارة النادي تفتح المدرجات مجاناً    "رافد للأوقاف" تنظم اللقاء الأول    عمر السومة يرحل عن العربي القطري ويعود للسعودية    أمير تبوك ونائبه يعزيان البلوي    سعود بن نهار يتفقد السيل والعطيف    سعود بن نايف يؤكد على جاهزية الجهات لموسم الأمطار    استقالة رئيس الحكومة الكندية    حماية البذرة..!    العالم يصافح المرأة السورية    لماذا الهلال ثابت ؟!    صافرة الفنزويلي "خيسوس" تضبط مواجهة الهلال والاتحاد    قمة عالمية سنوية للغة العربية    مكة الأكثر أمطاراً في حالة الإثنين    «أبوظبي للغة العربية» يعزّز إستراتيجيته في قطاع النشر    "التراث" توقّع مذكرة تفاهم مع موتوكو كاتاكورا    روسيا تسيطر على كوراخوفو وكييف تلتزم الصمت    خادم الحرمين وولي العهد يعزيان رئيسة الجمهورية الهيلينية في وفاة رئيس الوزراء الأسبق    «سلام» يُخرّج الدفعة السابعة لتأهيل القيادات الشابة للتواصل العالمي    غارات الاحتلال تودي بحياة عشرات الفلسطينيين في غزة    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على والدة الوليد بن طلال    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«العِلم والسيادة»: التقنية بوصفها أساساً للاستراتيجية العليا للدول
نشر في الحياة يوم 05 - 03 - 2013

الأرجح أن من يتوخى السهولة في القراءة، ربما أحبطته المطالعة السريعة لعناوين الفصول والمواضيع في كتاب «السيادة والعِلم - التوقّعات والإمكانات في الدول العربية» (تأليف البروفسور أنطوان زحلان- ترجمة الدكتور حسن الشريف)، لأنها لن تقوده إلى فصل أو قسم، يفسّر مباشرة العنوان العريض للكتاب. وعلى عكس هذا، يتعرّف قارئ الكتاب إلى المقصود من هذا العنوان، ربما بداية من الصفحات الأولى. فعلى رغم اللغة الشخصية للتوطئة، يربط الكتاب بين قدرة الدول على الحفاظ على قرارها الوطني وسيادتها واستقلالها وقواها ومواردها من جهة، وقدرتها على مواكبة العلوم والتكنولوجيا وتطوّرها عالميّاً. ويقع الكتاب الصادر عن «مركز دراسات الوحدة العربية»، في 350 صفحة من القطع المتوسّط، ضمنها جداول غزيرة، خصّص الكاتب قائمة لها (ص11)، تُسهّل الوصول إليها. وتتصدر الكتاب توطئة صغيرة، تنجح في تنبيه ذهن القارئ إلى الحقل المثير الذي يتأهب الكتاب لاجتياز ممراته المتشابكة، وهو العلاقة بين مصير الأمم من جهة، وقدرتها على فهم العلوم والتكنولوجيا وتبيّن أهميتهما من جهة ثانية.
ويحذّر الكاتب في هذه التوطئة من عدم الوقوع في حبال الوهم بصدد العلم، بمعنى عدم اعتباره أمراً إيجابياً أو سلبياً بحد ذاته. فبحسب كلمات زحلان: «المشكلة في العِلم أنه محايد بالنسبة إلى القِيَم. إنه ببساطة معرفة جميلة. فالدول والمجتمعات والأمم عليها أن تستنتج القِيَم والأخلاق من أماكن أخرى. لكن امتلاك القِيَم من دون عِلم لا يوصل إلى مكان، وامتلاك العِلم من دون قِيَم يوصل إلى ألمانيا النازية ووعد بلفور والإمبريالية. وما يتعلّمه المرء هو أن العِلم هو البداية، وليس النهاية في ذاته. وإذا لم يتعلّم مجتمع ما كيف يدير قضاياه السياسية- الاجتماعية والثقافية- الحضارية بحيث يكون قادراً على استدامة ثقافة تكنولوجيا خلاّقة، فإن المجتمع لن يكون قادراً على تحمّل متابعة التعليم العلمي، ولا على تعلّم كيف يستفيد من التكنولوجيا المرتبطة بالعِلم. والمجتمع الذي يعيش في ظل الهيمنة، والمبادئ الطائفية، وعدم المساواة بين الرجل والمرأة، والفساد، لن يستفيد من التكنولوجيا ولن يحقّق وطناً آمناً». (ص21- 22).
تفاؤل العقل وتشاؤم الإرادة
لعل من اللافت أن كاتباً علمياً مثل زحلان يورد في مستهل القسم الأول من الفصل الأول في الكتاب خلاصة ربما بدت متحدّية بالنسبة إلى العقول التي تعوّدت النظر إلى العِلم بعقل خادِر مأخوذٍ بمنتجات العِلم وأضوائه وأُبهّته وإشراقاته وسطواته الساحرة. فبكلمات قوّية يلاحظ «إن المجتمعات القادرة على تحويل المعرفة إلى نواتج مفيدة ومناسبة تزيد باستمرار من المسافة التي تفصلها عن البلدان التي تكون غير قادرة على ذلك. وقد سيطرت هذه الفجوة المتّسعة بين الأمم، منذ عام 1800، على الحضارات والاقتصادات وعلاقات القوى بين الدول. وأدّت الإنجازات في تقدّم المعرفة إلى أنماط جديدة من الاستعمار والإمبريالية، وإلى حربين عالميتين، وإلى أشكال جديدة من العلاقات الدولية، مثل نمط العولمة الحالي للاقتصاد العالمي. وقد تخلّفت تلك الدول التي لم تستطع أن تدير علاقاتها مع إنتاج المعرفة». (ص28).
ويشير الاقتباسان السابقان إلى أن العلوم هي في قلب القوى الأساسية للأمم والدول، ما يعني أن استراتيجيتها العميقة (مع ملاحظة أن الاستراتيجية، بحسب منظّريها الكلاسيكيين كالبريطاني ليدل هارت، هي إدارة مُكوّنات القوة)، يجب أن تتأسّس على علاقتها مع العِلم. ولذا، تجهد فصول الكتاب في تتبع المسارات التي تتبعها الدول العربية في نيل العِلم واقتباسه، ومحاولة إرساء دعائم مكينة له في مجتمعاتها ومؤسساتها العلمية، ونتائج هذه الجهود، منظور إليها من زاوية مدى تحقيقها لمواكبة هذه الدول لإيقاع العلوم والبحوث والتقدّم والتكنولوجيا عالمياً. في هذا المعنى، ينظر زحلان إلى العلم بوصفه شرطاً إستراتيجياً عميقاً للسيادة، خصوصاً مع زيادة الفجوة التي تفصل الدول المتقدّمة عن النامية، وتعمّق المسارات التي تربط هذين الطرفين غير المنفصلين عن بعضهما بعضاً، بل يكادا لا يكفّان عن الالتحام المستمر (بمعانٍ متنوّعة لهذه الكلمة)، على غرار العلاقة بين الإمبريالية وطموحات الاستقلال والتحرّر، والنزاع على الثروات الطبيعية كالنفط، وسيطرة اقتصاد المركز على الأطراف في مسار العولمة الحاضرة.
ويُختتم بفصل عن «التوقّعات المستقبليّة» (ص309-332)، يتضمّن شيئاً من عدم التفاؤل، على رغم الثبات في الإرادة. ولعله قريب من مقولة المُفكّر الإيطالي غرامشي عن «تشاؤم العقل وتفاؤل الإرادة».
قوة المعرفة هي الأساس
يلاحِظ الكاتب أن الدول تنفق بكثافة على المعرفة العلمية، لأنها المحرّك الفعلي للتطوّر، فترصد لها تريليون دولار سنويّاً، مع الإشارة إلى أن الولايات المتحدة تنفرد بإنفاق نصف هذه المبالغ، «وهي بالتالي ما زالت في موقع مسيطر عسكرياً واقتصادياً على العالم. وتشكّل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والصين واليابان 95 في المئة من الاستثمار في البحث والتطوير» (ص 28). ويرصد ظاهرة «الإدمان العربي على التبعيّة التكنولوجيّة» (ص 210)، مشيراً إلى أن جهود العرب في الخمسين عاماً الماضية «لم تحقّق التقدّم بالشكل المؤثّر، مثل كوريا الجنوبية والصين» (ص210)، على رغم كثافة ما أنفقوه من أموال في هذا المجال. واستناداً إلى تجربتي أميركا الناجحة والاتحاد السوفياتي الفاشل، يخلص إلى القول بأنه «ليس كافياً أن يقوم بلد ما بالبحث والتطوير، فلا بد من إقامة بيئة تمكين تسهّل انتشار المعرفة وتطبيقها» (ص 214)، عاقداً الرهان على قدرة رجال الأعمال المُبدعين على إنجاز هذه المُهمّة. وعلى رغم أن هذه المقولة لزحلان باتت رائجة، بل باتت كيتشاً يتردّد كأسطوانة في المؤتمرات والندوات العربية، فمن الصعب العثور على ما يؤيّدها حاضراً. ولا يفوت هذا الأمر زحلان الذي يرد هذا الأمر إلى افتقار الدول العربية للجمعيات العلمية والنظام التمكيني الوطني للعلم والتكنولوجيا (ص 214)، على رغم أن الوقائع التي يقدّمها عن المحاولات العربية للربط بين العلوم وعالم الأعمال، لا تحتوي وقائع أساسية تدعم القول بنجاح هذا المقترب!
ويشدّد الكتاب بصورة متميّزة على أهمية التشارك بين العلميين العرب، ويعتبرها من حجارة البناء الأساسية لترسيخ بنية علمية متفاعلة مع مجتمعاتها. ويضرب مثلاً بأن العلميين العرب وضعوا ألف ورقة عن المياه الجوفيّة، لكن التشارك بينهم قليل تماماً (ص 319).
ويختتم زحلان كتابه بالتفاؤل بتجربة الشباب في «الربيع العربي»، قائلاً: «هنالك قدرات عظيمة في العلم والتكنولوجيا متوافرة في معظم البلدان العربية. وإذا نجح الشباب العربي في تحقيق تحوّل جذري في الاقتصاد السياسي السائد، فإنهم سيكونون قادرين على التمتّع بهذا التحوّل الإبداعي في بلدانهم» (ص 332).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.