افتتح الأردن أول متحف كبير مخصص لتاريخ البلد، يضم آلاف القطع الأثرية، وبعضها نادر، من تماثيل ومسلاّت ومخطوطات ونقوش وأوانٍ فخارية وزجاجية وحليّ وحتى توابيت وشواهد قبور وهياكل عظمية وجماجم، وكلها تحكي قصة بلد موغل في القدم عرف بأنه كان ممراً ومستقراً للكثير من الهجرات على مر العصور والتاريخ. ويضم «متحف الأردن»، الذي أقيم في منطقة رأس العين وسط عمّان، على أرض تبلغ مساحتها 10 آلاف متر مربع، ثلاث صالات عرض رئيسة كبيرة تعرض قطعاً أثرية لا تقدر بثمن رتّبت بحسب تسلسلها الزمني، في رحلة استكشاف تروي قصة الأردن الحضارية والتاريخية منذ حوالى مليون و500 ألف سنة، فضلاً عن الأردن الحديث والحياة الشعبية. وفي المتحف أيضاً مكتبة تحوي آلاف الكتب والمنشورات في مجال الآثار والتاريخ والتعليم وعلم المتاحف. ويقول زيدان كفافي، القائم بأعمال مدير المتحف إنه «يعد من أضخم المشاريع الحضارية والسياحية في البلاد، ويقدّم كنوزاً وآثاراً نفيسة خلفتها الحضارات المختلفة المتعاقبة على الأردن منذ القِدم». ويضيف أن «المتحف، الذي يتوقع له أن يكون أحد أهم وأبرز المتاحف في المنطقة، يعرض 3100 قطعة أثرية، بعضها نفيس ونادر ويعرض للمرة الأولى في الأردن». ويوضح كفافي أن «الغاية من إقامة هذا المتحف هي رواية قصة الأردن، إذ تغطي المعروضات فترات تاريخية تعود إلى العصر الحجري، وصولاً إلى الثورة العربية والأردن الحديث». وأشار إلى أن المتحف الذي وقعت إدارته اتفاقات مع متاحف عالمية، مثل اللوفر في باريس، سيكون أيضاً مركزاً للدراسات والأبحاث والتدريب على كل حقول العمل المتحفي والتوثيقي. وفي القاعة الرئيسة، وتحت إضاءة خفيفة تضيف إلى المكان سحراً، يعرض تمثال نصفي مزدوج الرأس، يعد من أقدم التماثيل البشرية في العالم (7500 قبل الميلاد)، ارتفاعه متر ومصنوع على هيكل من القصب مكسو بالجص، ويدل جسده على أنه صنع على سطح مستوٍ واهتم صانعوه بإظهار تفاصيل وجهه وتحديد عينيه بالقار الذي جلب من البحر الميت. ويعرض أيضاً هيكل عظمي، عثر عليه في أقدم المدافن البشرية في البتراء (230 كلم جنوب)، يعتقد إن عمره 17 ألف سنة، وهو لصياد يتراوح عمره بين 35 و55 سنة، قصير القامة قوي البنية نتيجة تنقله الدائم في الوديان الوعرة. وتبدو ذراعه اليمنى أقوى من اليسرى نتيجة استعمال الرمح في صيد الحيوانات. ومن أندر المعروضات، إبرة مصنوعة من العظم، كانت تستعمل لخياطة الجلود والنسيج وصنع السلال (8800 ق.م) وشفرة منجل صوانية (5000 ق.م)، وأوانٍ صغيرة على هيئات خيول وجمال وكلاب تعود للقرن الثالث الميلادي يعتقد أنها كانت تستعمل كلعب للأطفال، إضافة إلى مسلّة ارتفاعها متران (1309-1151 ق.م) اكتشفت عام 1930 في البالوع شمال الكرك، وعليها بقايا نقش هيروغليفي غير مقروء ونحت بارز لثلاث شخصيات قد تكون ملكاً ورمزين ومن المرجح أن تكون نصباً تذكارياً لمناسبة تتويج ملك مؤابي. ويعيد المتحف من خلال صور وخرائط تفاعلية وأفلام عن تلك الفترة، رسم أهم مراحل تاريخ هذا البلد الذي كان ممراً ومستقراً للكثير من الهجرات، سواء من الجزيرة العربية أم من بلاد الرافدين أم فلسطين ودول البحر المتوسط أم من مصر عبر شبه جزيرة سيناء أم حتى من أواسط آسيا وشرق أوروبا. ومن بين القطع المعروضة جرار كبيرة عثر عليها في إحدى الكنائس في جرش (50 كلم شمال) وكانت تستخدم في حفظ المؤن كزيت الزيتون والنبيذ تعود للفترة البيزنطية في القرن السادس الميلادي. ويعرض أيضاً تابوت فخاري طوله متران بملامح آدمية هو واحد من خمسة توابيت عثر عليها في مدفن واحد في كل منها هيكل عظمي يعود للقرن السابع الميلادي، ويتميز بغطائه الذي نحت عليه وجه مع حاجبين ولحية به ستة أزواج من الأيدي لربط الغطاء مع البدن. وإلى جانب هذه القطع تعرض أيضاً شواهد قبور من الحجر الكلسي والرخام الأبيض وتحمل نقوشاً يونانية ينتهي إحداها بصليب تعود لنهاية القرن الأول. ويقول القيمون على المشروع إن المتحف الذي فتح أبوابه للجمهور منتصف الشهر الماضي، سيجذب في مراحله الأولى نحو 300 ألف زائر سنوياً، وسيكون الافتتاح الرسمي في الصيف المقبل.