انتقد اقتصاديون سعوديون عدم تفاعل التجار المحليين مع تراجع أسعار الغذاء عالمياً خلال الأشهر الأخيرة، في وقت هرعوا مسرعين إلى رفع أسعار السلع مع موجة الغلاء العالمي قبل أعوام. واتهم هؤلاء في حديثهم ل«الحياة»، الموردين السعوديين باستغلال المستهلك، والتكسّب منه بهوامش ربح خيالية في ظل غياب الرقيب الحقيقي، محملين وزارة التجارة المسؤولية الكاملة حيال التجاوزات التي تحدث من التجار. وقال المحلل الاقتصادي فضل البوعينين: «السوق السعودية على رغم حجمها الكبير لم تصل حتى الآن إلى حد الكفاءة، إذ نجدها تعمل بانفصال تام عن المتغيرات العالمية، وهو خطأ كبير تسبب في حدوثه التجار المستوردين من الخارج، فهم يتعاملون مع المتغيرات في أسواق العالم بصورة سلبية تحقق مصالحهم الذاتية فقط، وتحرم الأسواق الداخلية من النتائج الإيجابية للتغيرات في أسواق الغذاء الدولية». وزاد: «عندما ترتفع مثلاً أسعار الغذاء عالمياً نجد المستوردين السعوديين يتجاوبون بصورة مباشرة مع هذا التغيير، ويرفعون أسعار السلع على رغم أن مخزونهم من السلع تم تأمينه في الأساس بالأسعار المنخفضة والقديمة للسلع، ومع ذلك يسعون إلى زيادة هامش ربحهم بصورة مبالغ فيها، متحججين بارتفاع الأسعار العالمية، وعندما تنخفض أسعار السلع دولياً لا نجد أي أثر بأسواقنا المحلية من هذه التغيرات، بل تظل الأسعار كما هي عليه مرتفعة، والوصف الأمثل هو أن بعض الموردين يتعاملون مع مخزونهم الغذائي كتعاملهم مع البورصات العالمية في حال الارتفاع فقط». وطلب البوعينين من وزارة التجارة أن تقوم بدورها في هذا الجانب، وقال: «هنا يجب أن تلتفت وزارة التجارة بصورة حازمة لمثل هؤلاء، وتضع حداً لتجاوزاتهم التي أضرت بالمستهلك، ولا يمكن للوزارة أن تصل مع هؤلاء إلى مستوى الرقابة الفاعلة من دون أن ترتبط إلكترونياً بهم بشكل يكشف لها مخزونهم الحالي وأسعاره مقارنة بأسعار أسواق العالم، إذ يحقق هذا الأمر فوائد عدة منها ضبط الأسعار، وقياس المخزون الغذائي لدى التجار للحد من حدوث أزمات، إضافة إلى وضع استراتيجية للمخزون الغذائي الحكومي الذي من خلاله يتم مكافحة الغلاء ومواجهة أي تغيرات عالمية في المواد الغذائية، وخصوصاً الزراعية منها». وتابع: «وفق إعلان سابق، أمر خادم الحرمين الشريفين باستحداث وظائف رقابية في وزارة التجارة، وهذه ستساعد في الجانب الرقابي، ولكن مهما كانت كفاءة وزير التجارة ووزارته فحجم أسواق المملكة لا يمكن تغطيته رقابياً بسهولة، لذلك نحن في أمس الحاجة إلى تضافر الجهود بأن تكون هناك رقابات متنوعة وليست جهة رقابية واحدة، فمثلاً الجهة الرقابية الأولى هي وزارة التجارة، والثانية جمعية حماية المستهلك، والثالثة تكون الأمانات في مختلف المدن التي لم تمارس دورها الرقابي في ما يتعلق بالأسعار والمواد الغذائية بالشكل الأمثل، وأيضاً رقابة المستهلكين أنفسهم». واقترح البوعينين على الحكومة الاستفادة من جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الرقابة على الأسعار، وقال: «يتحدث الجميع عن دور الهيئة في نشر الفضيلة ومكافحة عكسها فقط، فالرسول الكريم كان يدخل الأسواق ويوجه وينصح، بل إنه كشف الغش في التمر في إحدى الحالات عندما وضع أحدهم التمر الجيد أعلى الصندوق والرديء أسفله، وعلى هذا المنوال سار صحبه الكرام، فيجب على الجهات المعنية أن توجه الهيئة إلى مساندة الجهات الرقابية في الكشف عن الغش والغلاء غير المبرر، بحكم انتشارهم ميدانياً في الأسواق». من جهته، أكد الأكاديمي الاقتصادي في جامعة الطائف الدكتور سالم باعجاجة، أن ارتفاع أسعار سلع غذائية في أسواق السعودية، مع تراجعها في أسواق العالم، تتحمل مسؤوليته وزارة التجارة. وتابع: «الوزارة لم تعقّب على الأسواق وتكثّف جولاتها الرقابية على التجار المخالفين، وتركت الحبل على الغارب، لينتهز بعض التجار الجشعين الفرصة ويحققوا أرباحاً طائلة جزءاً منها غير مشروع لهم، على حساب المستهلك البسيط، فلم تحرص الوزارة على إجبار هؤلاء الموردين على الاستجابة مع انخفاض أسعار الغذاء عالمياً، ويعيدوا تقييم سلعهم بالأسعار العادلة». وأشار باعجاجة إلى أن وزارة التجارة تركت التجار يصرّفون بضائعهم في الأسواق بأسعارها السابقة المرتفعة، مستدركاً: «مع ضعف الرقيب ستظل الأمور كما هي عليه، لدى الوزارة مشكلة متأزمة في قلة أعداد المراقبين، وينبغي عليها معالجة هذه المعضلة في أسرع وقت، لتضع الأمور في نصابها الصحيح».