شغلت محطات التلفزة العربية، الفضائية والأرضية، مشاهديها خلال الأسبوعين الماضيين بإعلاناتها المتكررة عن دورة برامجها الجديدة التي تبدأ بثها مع بداية شهر رمضان. وبالطبع، فإن المشاهدين ينتظرون ب«فارغ الصبر» حلول الشهر الكريم كل عام ليمتعوا أنظارهم وأذواقهم بما أعدّ من برامج منوعات قوامها المسابقات والربح، ومسلسلات يقدّر عددها على الفضائيات العربية بأكثر من مئة، بعضها جزء جديد من مسلسل ابتدأ أصلاً. وكما هو معروف، فإن معظم المسلسلات العربية تقوم مواضيعها على أحد أمرين: إما مسلسل اجتماعي فحواه صراع بين الخير والشر، بين الضعيف والقوي، بين الحب والكره، وفي معظمها ينتصر الخير والحب. وإما مسلسل تاريخي عن شخصية عربية أو إسلامية، يتحدث عن أمجاد غابرة ويحمّل بعض الإسقاطات على الواقع الراهنة، وإيحاءات وحسرة على التراجع والذل والهوان. وعلى رغم أهمية هذه الأمور وما بذل فيها من جهد لن تكون له سوى وظيفة إمتاع المشاهدين على مدار العام وليس في الشهر الفضيل فحسب، فإن العقول العربية المنتجة والمخرجة لم تصل بعد إلى مرحلة تتبنى فيها مشكلات أكثر بساطة من التاريخ والخير والشر، وكذلك أكثر التصاقاً بالناس والمجتمعات كأمور النظافة والبيئة والتلوث وما إلى ذلك من أمور لها علاقة بطريقة عيش الناس. فهذه الأمور، وبخاصة مسألة البيئة والنظافة، كانت مدخلاً للصحافي البريطاني روبرت فيسك في صحيفة «إندبندنت»، ليقول إن العرب لا يشعرون بالمواطنة مستشهداً بإفراط العرب بنظافة منازلهم بينما يعتبرون أنفسهم غير معنيين بنظافة شوارعهم وأحيائهم... لكن المسلسلات العربية تغفل تماماً عن تصوير هذه الشوارع بواقعها وكأن المخرجين يصرّون على انتقاء مواقع تصوير نموذجية ومثالية في ترتيبها ونظافتها وبيئتها ربما لأن مشاهد النفايات والقاذورات في الشوارع والأحياء تلوّث كاميراتهم فيبعدونها ويبتعدون عن تصوير الواقع بينما يجهدون ويعيدون تصوير المشاهد مراراً لتكون أكثر واقعية في تجسيد الشخصية. بالطبع لا يطلب أحد من الإعلام العربي، بكل ما يحويه من برامج وقدرات، أن يحذو حذو محطة «ديسكوفري» التي تبنّت مشروع خفض حرارة الأرض تحت عنوان «إيكوبوليس»، فأرسلت فرقها إلى شتى أرجاء المعمورة ليصوروا ويخرجوا أي جهد أو بحث يساهم في خفض حرارة الأرض والإفادة من نفايات المدن وقاذوراتها وحتى براز البشر والحيوانات في إنتاج طاقة نظيفة تنير المدن وتدفئها. ولكن على الأقل مطلوب من الإعلام العربي أن يقارب واقع المدن العربية بهمومها البيئية وبخاصة أن كثيرين سبب لهم التلوث، في الهواء والماء والظروف المعيشية السيئة، أمراضاً ومصائب يصلح كثير منها ليكون سيناريو لمسلسل وإن كان رمضانياً.