قال الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي إياد أمين مدني إن على الدول العربية والمسلمة في المنطقة العمل معاً لوضع مقاربة جديدة تضمن المصلحة المشتركة، رافضاً القبول بأن المذهب والدين هما أساس الانقسامات بين المسلمين «بل يُستخدمان لتوسيع النفوذ السياسي». وقال في حديث الى «الحياة» أن المنظمة تدعم مواجهة الإرهاب الذي لا علاقة له بالإسلام، مشدداً على أهمية عمل المنظمة التي تضم 57 دولة والتي يمكنها التأثير في المحافل الدولية. ولفت إلى أن المواجهة العسكرية والأمنية للإرهاب «لا تنبئ بفهم كامل له كظاهرة»، مشدداً على ضرورة «فهم السياق العام للبيئة التي أنتجته والسياق السياسي الداعم له». وهنا نص الحديث: لقاءاتك هنا في الأممالمتحدة شملت وزراء وربما رؤساء، والتركيز فيها كان على موضوع مكافحة الإرهاب ال «داعشي». ماذا طُلب منكم كمنظمة معنيّة بالإسلام في إطار مكافحة الإرهاب، إن كان من وجهة نظر المشاركين في التحالف، أو من هم خارج التحالف، مثل وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الذي اجتمعت به قبيل هذا الحديث؟ -أولاً الاجتماعات التي عُقدت هي اجتماعات تعقد كل عام وليست مرتبطة سببياً أو مباشرة بالإرهاب. نحن نغتنم فرصة اجتماع الجمعية العامة ووجود عدد من المسؤولين هنا، من رؤساء ووزراء، للتواصل معهم حول القضايا التي تربط المنظمة بكل منهم. ثانياً، نحن نعقد اجتماعات عدة لما نسميه فرق الاتصال داخل المنظمة. لدينا فرق اتصال معنيّة بقضايا معيّنة، مثل جمهورية وسط أفريقيا، أو ميانمار، أو مالي، إلخ. وأيضاً هناك اجتماع سنوي على هامش الجمعية العامة لوزراء خارجية الدول الأعضاء في المنظمة. فهي نشاطات عامة وتتناول قضايا ثنائية وليست مرتبطة تحديداً بقضية الإرهاب. *ولكن لا بد من أن موضوع محاربة «داعش» طرح في هذه الاجتماعات!. - نحن طرحناه. لو راجعتِ بيانات المنظمة، لوجدت أن المنظمة كانت من أولى الجهات التي دانت «داعش»، وقالت إن «داعش» لا علاقة لها بالإسلام. ودنّا الانتهاكات التي قام بها التنظيم تجاه المسيحيين العراقيين والأزيديين. هذا مسجل، ولكنا شددنا مع كل من قابلنا على أن التناول الأمني العسكري لا يكفي، وأن هذا التناول ينبئ بعدم الإلمام بفهم كامل لهذه الظاهرة. هل التناول الأمني والعسكري لا يكفي؟ - لا يُنبئ بفهم كامل لهذه الظاهرة. ما يجب أن نتوجه إليه إضافة إلى البعدين العسكري والأمني، هو فهم السياق العام للبيئة والمناخ، اللذين ينتجان هذه الحركات، والسياق السياسي، الذي يوفر لها الدعم. وفي العراق تحديداً، هل تعلمين أنه منذ الغزو الأميركي تم تفكيك كل المؤسسات الكبرى، سواء الجيش أو الحزب أو الجهاز البيروقراطي؟ هذا أفرغ العراق. أيضاً منذ بول بريمر وما بعد، بدأت الحكومات تشجّع الهوية الطائفية. وتجدين أن الخطاب الطائفي ازداد بعد هذا الغزو. كان هناك فراغ، وتمّ تجويف العراق من داخله. بالإضافة إلى ذلك، يجب فهم البعد الاقتصادي. وهناك سياق آخر، وهو من يستفيد من هذه الحركات؟ من يخترقها؟ ويسخرها لأغراضه؟. نقطتي الأخيرة، أننا نحن لا نعتقد في المنظمة بأن المذهب والدين هما سبب، بل هما يستخدمان لتوسيع نفوذ سياسي. ما هي الإجراءات التي تدور في ذهنكم لمواجهة فكر التطرف، إن كان «داعشياً» أو غير ذلك؟ ما هي الإجراءات التي تتخذونها، أو تنوون اتخاذها من الآن فصاعداً؟ أنتم كمنظمة ماذا تعملون؟ - أولاً، دعيني أعلّق على كلمة قلتِها أنت، منظمة معنيّة بالإسلام. نحن منظمة سياسية. هذه الدول الأعضاء ممثلة بحكوماتها، هذه ليست منظمة دينية. أنا قلت معنيّة بالإسلام. -أوضح الأمر لقرائك، لأن هناك دائماً لبساً ما، بين المنظمة والمنظمات الدعوية. نحن لسنا بمنظمة دعوية. أنت تعرفين أن أجهزة المنظمة تتناول قضايا الإقصاء وما إلى ذلك. على المستوى السياسي، ما هي الإجراءات التي ستتخذونها؟ - المنظمة كانت من أولى المنظمات التي أصدرت وثيقة التزمتها كل دولها لمحاربة الإرهاب. أتحدّث عن الإجراءات الآن، بعد «داعش». - «داعش» هي مظهر من مظاهر الإرهاب وليست كل الإرهاب. أول اهتماماتنا أن نجرّد «داعش» و»بوكو حرام» وأمثالهما من الشعارات الإسلامية. نريد أن يكون للمنظمة دور أساس ومباشر ومهم، في تأكيد أن هذه التنظيمات وهذه الحركات، لا علاقة لها بالإسلام، لا كدين ولا كثقافة ولا كحضارة. كيف؟ عبر حضّ رجال الدين على إصدار فتاوى؟ عبر أية إجراءات؟ - لدينا جهاز اسمه مجمع الفقه الإسلامي الدولي، يجتمع فيه أهل العلم ليس كمفتين، نحن لا نفتي، وهذا ليس جهاز إفتاء. نريد أن نصل إلى سياق نُظهر فيه أن الإسلام ليس هكذا. نريد أن نُتبع هذا بوجود عملي عبر برامج الحوار بين الثقافات. وأيضاً عبر إجراءات تتعلق بالدول الأعضاء. نحن منظمة تتكون من 57 دولة عضواً، وبالتالي إذا تحرّكت المنظمة كمجموعة، في أي محفل دولي، سيكون لها وزن وتأثير. ما هو دور المنظّمة في أن تكون سبّاقة وقائدة في مسألة تجفيف منابع التمويل للإرهابيين، وحضّ الدول على ذلك؟ - هذه القضية هي تحت المجهر، من كل الدول الكبرى والمنظمات المالية الكبرى. دورنا أن نؤكد هذا البعد ونلفت النظر إلى أي حالة قد تكون اتضحت أمام المنظمة. كيف تلفتون النظر؟ ما هي الإجراءات العملية التي ستتخذونها من الآن فصاعداً؟ هل ستنسّقون مثلاً مع التحالف ضد «داعش»، الذي تقوده الولاياتالمتحدة وتشارك فيه دول عربية وإسلامية؟ - هذا تحالف بين دول. هي دول أعضاء في منظمتكم. - هي دول أعضاء في مجلس التعاون الخليجي، وفي جامعة الدول العربية، وفي الأممالمتحدة. كونها دولاً أعضاء لا يعني شيئاً محدداً. هذا تحالف بين دول. دورنا هو دور مساند. نحن نؤكّد ضرورة تجفيف الدعم، ليس فقط الدعم المالي، بل أيضاً الفكري والسياسي لهذه الحركات. هل ستقومون مثلاً بأيّ تنسيق، أو تحاولون التنسيق بين الدول، تلبية لدعوة الرئيس الأميركي باراك أوباما في خطابه، إلى أن يكون هناك منهج جديد للتفكير بالإسلام، وتنظيف الإسلام إذا شئت من الإرهاب، هل لكم دور في ذلك؟ - أنا لم أسمع الرئيس الأميركي يقول «تنظيف الإسلام». وإن كان قال هذا، فإن هذا ليس من حقه، ولا من حق أحد آخر. المسلمون هم الأجدر بفهم دينهم والتعامل مع دينهم. ما يلصق من تهم بالإسلام لا علاقة له بالإسلام. والحركات الإرهابية موجودة في كل دين وكل كيان سياسي، وإذا رغبت أذكر لك عشرات الأمثلة... هناك إرهاب بوذي ضد المسلمين في بورما، وهناك جرائم ترتكب ضد المسلمين في وسط أفريقيا. خطأ أن نحصر الإرهاب في «داعش» وفي المسلمين. أنا لم أفهم خطاب الرئيس أوباما على هذا النحو. كيف فهمته؟ - نحن علّقنا عليه ويمكن أن تجدي ذلك في البيان المفصّل الذي أصدرناه. أوباما قال ما معناه إن المشكلة في معظمها، هي صراع مذهبي بين السنة والشيعة. تحدثت أنت عن الشقّين السياسي والثقافي، في موضوع محاربة الإرهاب. كيف تنظر إلى التركيز العميق على موضوع الخلاف السني الشيعي في المنطقة، وفي إطار مكافحة التطرف، الذي يركّز عليه الآن على أنه تطرف إسلامي، على الأقل وفق ما طرح أوباما في كلمته أمام مجلس الأمن؟ - الرئيس الأميركي لم يركّز فقط على الخلاف المذهبي، بل ذكره كواحد من الأسباب التي تؤدي إلى ذلك. وكرّس له ربع خطابه. - لا نعتقد بأن الاحتدام المذهبي، هو أمر نجرّده من سياقاته. ماذا تعني؟ هل تعني سياسات إيران مثلاً؟ - لا، لا أعني ذلك. إذا حصرتِ تزايد الإشارة إلى الهوية المذهبية في العراق تحديداً ما بعد الغزو الأميركي، لوجدت أن التعريف المذهبي، قد ازداد وكأنه سياسة متعمَّدة. دول المنطقة تحرّكها مصالحها الوطنية، وليس مذاهبها، وإن كان هناك من صراع مذاهب، أو استخدام المذهب، فهدفه تكريس نفوذ سياسي. نحن نقول في المنظّمة إن دول الشرق الأوسط، تحتاج إلى مقاربة جديدة تصنعها هي نفسها، أي أن تلتقي إيران وتركيا والمملكة العربية السعودية ودول الخليج والأردن ومصر، حتى تصل إلى مقاربة جديدة يُعترف بموجبها بالمصلحة الوطنية للكل، وتتوصّل هذه الدول، إلى المصلحة التي تجمعها. من دون ذلك ستظلّ المنطقة تحتدم بالصراعات التي تُستخدم لتوسيع النفوذ السياسي. التحالف الدولي العربي أقيم لمكافحة «داعش» وأمثال «داعش». هل هذا استهداف للإرهاب من حيث هو سني فقط، من دون التطرق إلى ما عداه؟ مثلاً عندما يتحدثون عن المقاتلين الأجانب في سورية يركزون على «داعش» وأمثالها. هل هذا استهداف لإرهاب السنة من دون التطرق الى أي إرهاب آخر؟ - أنا لن أنساق إلى التسميات المذهبية لما يجري. ليس هناك إرهاب سني وإرهاب شيعي. هناك إرهاب له سياق وأسباب ولا بد من فهمه، إنما أن ننسب الإرهاب إلى مذهب، فنحن ننزلق في المنزلق، الذي يجب أن نحرص على ألا ننزلق فيه.