بقي أن أقول إن لكل قصةَ نجاحٍ منغصات، قبل أكثر من عام تقريباً قررت الحكومة أن تخضع هذا المستشفى إلى أنظمة ولوائح وزارة الخدمة المدنية باعتماد سلم موحد للممارسين لهذه المهنة من السعوديين مغاير للسلم المعمول به في المستشفى. وأوشك القرار أن يسبب انهياراً مروعاً لإنجازات المستشفى عندما أوشك عدد من الأطباء المرموقين مغادرته. كيف لا وهذه اللوائح المتحجرة لا تراعي مهنة ولا تطور رواتبها مع التضخم والزمن والأهم أنها لا تكافئ المميز. يقول اختصاصي الأطفال الدكتور سعود الشنيفي: «إن هذا التعديل محبط للطموحات على رغم أن العمل في هذا المستشفى لا مثيل له بالنسبة إليّ». يبدو لي ومن مصادري الأخرى أن الوزارة قبلت بحل وسط بحيث لا يتم خفض رواتب من هم على رأس العمل بشرط أن يتوقف المستشفى عن ترقية العاملين به وتحفيزهم ومنحهم مكافآت التفوق والإنجاز. نحن نعرف أن غياب التحفيز لا يختلف كثيراً عن الرواتب المتدنية. من دون تحفيز وتمييز للمتفوقين لن نجد مبدعين. مع وجود هذا الصرح الطبي العظيم.. ما الحاجة إلى وزارة الصحة؟ يتساءل المتابع مثلي وبعد أن اطلع على كل ما يجري في هذا المركز الحيوي المهم، وبالتأكيد وجود مراكز أخرى مماثلة كمستشفى الحرس الوطني الذي لا يقل أهمية عن هذا المستشفى بل وقد يتجاوزه في بعض الجراحات والتخصصات.. يتساءل: «ما حاجة الوطن إلى وزارة الصحة؟ ما دورها حقيقة في الرعاية الصحية التخصصية (عدا الرعاية الأولية والبرامج الوقائية وخدمات الحجيج) في المملكة، ونحن نشاهد بأعيننا تهالك المستشفيات الحكومية؟ لماذا لا تتحول الوزارة بكل ما احتوت إلى أقسام داخل مثل هذا المستشفى تعمل بإدارته المتطورة ولوائحه الدقيقة ومحفزاته وثوابه وعقابه؟ إن كانت مهمة الوزارة إصدار التراخيص الطبية فلا مشكلة إذ يمكن لمثل هذه المركز فعل ذلك وبمعايير أفضل كما أتصور. هل هي الإشراف على الدواء وبيعه؟ بالطبع لا، بعد أن تم تأسيس الهيئة السعودية للغذاء والدواء. وبمناسبة الحديث عن الأدوية، تذكرت تعليمات الوزير الراحل غازي القصيبي قبل عقد من الزمان عندما بدأ بمعاقبة الصيدليات التي تبيع المضادات وغيرها بلا وصفة. لكن تلك العقوبات توقفت كما يتوقف لدينا الكثير من العقوبات الأخرى مثل ربط حزام الأمان في السيارة وغير ذلك فنحن لا نستمر في أي شيء. فقط نقوم بحملات محددة بزمن وعند انتهاء فترة الحملة يتوقف كل شيء وتعود الأمور إلى ما كانت عليه. كيف يمر أكثر من أربعة عقود على وجود هذا المستشفى العالمي في قلب الرياض من دون أن يؤثر ذلك في مستوى المستشفيات الحكومية الأخرى؟ تساؤل في محله برأيي لكن عندما ندرك منهجية العمل الحكومي وتشتت أفرعه وغياب التواصل بين إداراته سنجد الجواب واضحاً لنا كالعيان. فكل يغني على ليلاه وكل يعمل بمواصفاته الخاصة به من دون أن ننظر إلى الصورة الكبرى من فوق ونحدد مكامن الخلل ووجود الثغرات. أتساءل من جديد: لو فعّلنا الاستفادة من التخصصي في رفع مستويات الرعاية الصحية في المملكة لتقترب من مواصفاته ومعاييره.. ماذا بقي لوزارة الصحة لتنفرد في مبنى خاص وموازنة وموظفين؟ أفيدوني مأجورين. * كاتب سعودي، يكتب كل أحد في صفحة الرأي ب«الحياة». F_Deghaither@