على مدى العامين الأخيرين تعرض الرئيس الأميركي باراك أوباما لانتقادات حادة من جانب خصومه الجمهوريين ومن مراكز بحثية مؤثرة، واتهم بالضعف والتردد في إدارة السياسة الخارجية الأميركية بشكل شجع الخصوم وأحبط الأصدقاء وأضر بصورة أميركا ومكانتها في العالم. واستند هذا الهجوم إلى مواقف أوباما من ثورات الربيع العربي ومن ليبيا وسورية وأوكرانيا، وكان وراءها مفهوم أوباما الذي جاء به وهو عدم توريط أميركا، وتحديداً الجيش الأميركي في الصراعات الإقليمية، متأثراً في هذا بالتجربة الأميركية في العراق وأثمانها المادية والبشرية. لذلك لم يكن غريباً أن يثير قرار أوباما الأخير توجيه ضربات جوية إلى قواعد تنظيم «داعش» الإرهابي التساؤل عما إذا كان ذلك تحولاً في سياساته ومفاهيمه التي جاء بها. قبل مناقشة هذا التساؤل، من المهم أن نتعرف الى ما دفع أوباما إلى هذا التدخل، وهو ما نستطيع أن نجده في: 1- التقدم السريع الذي حققه تنظيم «داعش» في العراق حيث وصل إلى مواطن النفط، علماً أن في تلك المناطق أفراداً أميركيين عسكريين وديبلوماسيين. 2- ما أقدم عليه تنظيم «داعش» من قتل اثنين من الصحافيين الأميركيين ذبحاً. 3- تقدير المؤسسات الاستخباراتية أن تهديد «داعش» قد يمتد إلى الأراضي الأميركية والأوروبية نفسها، ما جعل رئيس الوزراء البريطاني يقول: «إن تنظيم داعش يمكن أن يدهمنا في شوارعنا». 4- ثمة تطور داخلي جاء بإقصاء نوري المالكي من رئاسة الوزراء بعدما كانت علاقته متوترة مع الولاياتالمتحدة ودول الخليج بسبب علاقته مع إيران، وهكذا اعتُبر أن إقصاء المالكي سيمكن الولاياتالمتحدة من مساعدة العراق على بناء قوة عسكرية من الحرس الوطني. 5- قرار قمة حلف الأطلسي في ويلز يومي 4 و5 أيلول (سبتمبر) 2014 تشكيل قوة تدخل سريع Rapid Deployment Force. 6- استطلاعات الرأي العام الأميركي التي تظهر عدم رضا الغالبية عن إدارة أوباما للسياسة الخارجية وتأييدها توجيه ضربات إلى «داعش». غير أن أوباما وهو يعيد الولاياتالمتحدة إلى العراق كان حريصاً على أن يظهر أن قراره لم يكن تراجعاً عن مفهومه بعدم توريط واشنطن في تجربة مماثلة للحرب على العراق عام 2003، لذلك رأينا أن بياناته وبيانات المسؤولين الأميركيين تؤكد: 1- أن الضربات الجوية الأميركية محدودة. 2- أنه لن يكون هناك استخدام لقوات أرضية أميركية، وكان آخر التأكيدات ما قاله أوباما وهو يخاطب جنود قاعدة «ماكديل»: «إنني كقائدكم العام لن ألزمكم بحرب أخرى في العراق»، ثم كرر هذا في بيانه الأخير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، وكان في الواقع يرد على ما لمح إليه رئيس الأركان الأميركي الجنرال مارتن ديمبسي من احتمال استخدام قوات أرضية. 3- أن التدخل الأميركي لن يكون منفرداً، وإنما من خلال ائتلاف إقليمي ودولي يفترض أن تتحمل معه الدول المشاركة الأعباء العسكرية والمادية لهذا التدخل، وهو ما يمثل عودة إلى النهج الذي اتبعه جورج بوش الأب في إخراج صدام حسين من الكويت. ثمة معنى أوسع للتدخل الأميركي ضد «داعش» يتصل بالجدل الدائر منذ إطلاق إدارة أوباما استراتيجيتها التوجه إلى شرق آسيا Pivot، وعما إذا كان التركيز على هذه المنطقة الواعدة استراتيجياً واقتصادياً يعني تراجع الارتباط الأميركي بالشرق الأوسط، ونتصور أن التدخل الأميركي في العراق إنما يصب في مصلحة الفريق الذي جادل بأن مصالح الولاياتالمتحدة الأمنية في منطقة استراتيجية كالشرق الأوسط لن تسمح لها بغسل يديها من قضايا هذه المنطقة وصراعاتها. * المدير التنفيذي للمجلس المصري للشؤون الخارجية