تثير التسريبات الأخيرة التي تكشفت حول وضع الجيش الألماني، الشكوك حول قدرة القوات الأوروبية التي شهدت في السنوات الأخيرة اقتطاعات قاسية في موازناتها، على مواجهة الأزمات التي تحاصرها شرقاً وجنوباً. وتصب الصحافة الألمانية منذ أسبوع غضبها على الثغرات التي يعاني منها الجيش الألماني والتي ظهرت خصوصاً في أعطال أصابت طائرات نقل قديمة العهد تابعة للجيش وأخرت نقل أسلحة الى المقاتلين الأكراد في شمال العراق. ومساء الثلثاء، أعلنت الحكومة الألمانية أنها ستخفض الى النصف أوقات تحليق طائراتها القتالية "يوروفايتر" بسبب خلل في حجرة القيادة في الطائرة. وبحسب رئيس هيئة أركان الجيوش الألمانية الذي نقلت الصحافة تصريحاته، فإن 42 فقط من أصل 109 طائرات "يوروفايتر" و38 من أصل 89 طائرة حربية من طراز "تورنيدو" و10 من أصل 31 مروحية قتالية من طراز "تايغر" التي تملكها ألمانيا تتمتع بجهوزية عملانية، في حين يخضع العدد الباقي للصيانة أو التصليح. وفي إيطاليا، فإن 15 في المئة فقط من المروحيات جاهزة للإقلاع و"العديد من الطائرات الحربية ليست عملانية"، بحسب موقع "أناليسي ديفاسا" المتخصص. أما في بريطانيا، فإن 40 طائرة حربية من أصل 170 متوافرة، بحسب معهد روزي. وفي فرنسا، كشف تقرير لديوان المحاسبة أن 41 في المئة فقط من الطائرات كانت جاهزة للإنطلاق في 2013 مقابل 60 في المئة في 2008 و65 في المئة في 1997. ولهذا الضعف في الجهوزية إنعكاس على تدريب بعض الطيارين الشبان الفرنسيين الذين لا يقومون بساعات التحليق المطلوبة لقبولهم من جانب الحلف الأطلسي. كما أن القطع البرمائية ليست متوافرة إلا بنسبة 49 في المئة وبعض الدبابات بنسبة 55 في المئة. ويمكن لهذه المعلومات أن تحمل على التشكيك بقدرة الجيوش الأوروبية، في حين التزم الحلفاء في بداية أيلول (سبتمبر) بإنشاء قوة رد سريع برعاية حلف شمال الأطلسي للرد على دور روسيا في الأزمة الأوكرانية. والمعلومات هذه تتناقض أيضاً مع الطموحات التي عبرت عنها بعض العواصم في إطار التعبئة ضد المجموعات الجهادية في العراق وسورية. وفي فرنسا، تؤدي عمليات التدخل في أفريقيا (قرابة ستة آلاف جندي منتشرين في الساحل وأفريقيا الوسطى) والتي تشغل نسبة جهوزية تفوق 90 في المئة، الى استنفاد الوسائل ما يفسر جزئياً ضعف جهوزية التجهيزات. وعلى غرار ما هو حاصل في الجيوش الغربية الأخرى، يسبب تقادم المعدات قصوراً متزايداً في أدائها ويجعل من المستحيل أحياناً تصليحها لأن قطع الغيار لم تعد متوفرة. أمّا بالنسبة الى التجهيزات الحديثة جداً، فإن تعقيداتها تتطلب إبقاءها حيث هي في غالب الأحيان ولمدة طويلة من أجل الصيانة. ويقول الخبراء إن الإقتطاعات المتتالية في الموازنات منذ نحو عشرين عاماً، وخصوصاً منذ الأزمة المالية في 2008، هي التي أساءت الى قدرات الجيوش. والحلف الأطلسي الذي تولى أمينه العام الجديد ينس ستولتنبرغ مهامه الأربعاء، يدعو منذ سنوات عدة أعضاءه الى استثمار 2 في المئة على الأقل من إجمالي الناتج الداخلي في مجال الدفاع و20 في المئة من هذا المبلغ في شراء تجهيزات رئيسية لتحديث الجيوش. ومن أصل 28 دولة عضواً في حلف شمال الأطلسي، فإن أربع دول فقط بقيادة الولاياتالمتحدة، أول قوة عسكرية في العالم مع موازنة من 640 بليون دولار، احترمت هذه القاعدة في 2013. واعتبر الباحث المشارك في الجامعة الوطنية للدفاع في واشنطن جوليان ليندلي-فرنتش أن "التهديد لا يأتي تحديداً من روسيا أو من +الدولة الإسلامية+، على الرغم من حجم مباغتتهما وخطورتهما". وقال إن "التهديد الحقيقي للحلف الأطلسي يأتي من أعضائه بالذات". وأضاف "بحلول 2016، ستنفق روسيا أكثر من فرنساوألمانيا مجتمعتين. الصين باتت تستثمر 130 بليون دولار على الأقل في السنة في قواتها المسلحة (...). قارنوا ذلك مع الحلف الأطلسي في أوروبا التي تعد 13 دولة من أصل 20 دولة في العالم انتهجت سياسة خفض موازناتها الدفاعية بين 2012 و2014". ورأى أن "انعدام المسؤولية الأوروبية في مجال الدفاع هو الذي أسهم بشكل كبير في جعل العالم أكثر خطورة اليوم لأن ذلك جعل الكلفة المطلوب تسديدها لتحدي التفوق الغربي أكثر احتمالاً".