مقابل ورشة بناء مهجورة، يقف السيّاح متحمسين أمام رسم يمثّل وجهين بريئين بالأسود والأبيض يزيّنان بوابة حديد، فضلاً عن رسم غرافيتي يختفي وراء الألواح للفنان بانكسي، كما يوضح دليل هذه الزيارة المكرّسة لفن الشارع «ستريت آرت» في حي شورديتش في لندن. مالك الأرض يحمي الرسم الثمين الذي يمثّل جرذاً يأكل بالشوكة والسكين، من عمليات التخريب ومن عوامل الطبيعة، وينوي استخدامها كديكور في مطعمه المقبل، كما يؤكد مدير «ستريت آرت لندن» (شركة تروّج لفناني الشارع) كريم سامويلز. ويضيف الشاب: «إذا حظيت بفرصة أن يرسم بانكسي، الذي يعتبر من أشهر رسامي الغرافيتي، لوحة على مبناك... فهذا يزيد من قيمته». مقابل 14 يورو، يقود السياح والشغوفين بالفنّ في أزقة شورديتش لاكتشاف أبرز رسوم الغرافيتي، وهي مناسبة لزيارة متحف في الهواء الطلق برموزه السرية. يعتبر الطالب البرازيلي فيليب راما (20 سنة) الذي وضع نظارات ثلاثية الأبعاد ليستمتع جيداً برؤية بورتريه رسمه الأسترالي جيمي كاوشران على واجهة مقهى، أن «الفنّ لا يقتصر فقط على المتاحف والغاليريهات، الفن موجود أينما كان». ولا ينحصر فن المدن هذا بالجدران وستائر المتاجر الحديدية، فهو يأخذ شكل مرسام وفيسفساء ومنحوتات مثل الفطر الأحمر القاني الذي يتوج سطح أحد المطاعم، إضافة إلى أشكال كثيرة خارجة عن المألوف لا تمكن رؤيتها لولا وجود الدليل المرافق. ويشرح سامويلز وهو يزيل الثلج عن أشكال من العلكة (اللبان) كيف رسمها بن ويلسون منذ العام 1988 وأصبح عددها نحو 10 آلاف علكة يتم دوسها على الرصيف. ويوضح: «أوقف ويلسون، لكن الشرطة لم تتمكن من ملاحقته قضائياً، فهو لا يلحق الضرر بأي ممتلكات، فالعلكة مجرد نفايات». ويضيف: «الفنانون يرون في الشارع ملعباً لهم ونحن نحاول إظهار تنوّع فن الشارع». ويروي قصة ولادة طير عملاق يغطي مبنى كاملاً، ويكشف عن تماثيل منمنمة ترقص عند أسفل جدار من توقيع المكسيكي بابلو ديلغادو. ويؤكد سامويلز: «ما دامت الإرادة موجودة، فإن الطريق مفتوح»، ملخّصاً بذلك نفسية فناني الشارع الذين يسعون دائماً الى احتلال أماكن جديدة. وتعمل البلدية على محو بعض رسوم الغرافيتي، فيما يخرّب فنانون رسوم منافسيهم بسبب الغيرة أو للبحث عن مكان لإبداعاتهم، فيما يختفي بعض الرسوم بسبب عمليات البناء الجديدة. إلا أن ثمة مالكي أبنية يطلبون من الفنانين رسم غرافيتي خاص بهم. ويشرح كريم: «الشارع تعمّه الفوضى. إنها حرب متواصلة بين الفنانين والشرطة والمعلنين. لذلك يتغيّر مسار الجولة التي بدأت في العام 2011». ويقول زاك كير، وهو سائح استرالي يقف امام وجه لافت نحته البرتغالي فيلس على أحد الجدران: «هناك الفن الدائم والفن العابر الذي يمكن الاستمتاع به طالما هو هنا». لندن تحولت، شأنها في ذلك شان باريس ونيويورك، إلى محطة إلزامية لفناني الغرافيتي الذين يأتون من العالم بأسره، مثل كريستيان ناغيل وهو جنوب أفريقي مقيم في لندن حيث أنبت مئات من الفطر العملاق بألوان متلألِئة. ويقول الفنان: «بدأت كفنان تقليدي مع معارض في قاعات فنية. لكن بصفتي فناناً أحب أن ابرز موهبتي. أريد أن يشاهَد فني في كل مكان، وأظن أن الشارع هو أفضل وسيلة لذلك. وأنا بذلك غير محصور في مكان معين. الشارع لا حدود له». وتشكل هذه الزيارات وسيلة دعاية لفناني الشارع.