قررت التنازل عن مطالبتي بإجراء مناظرة مع وزير العمل، نزولاً على رغبة الأمير الوليد بن طلال، صاحب الأعمال الناجح، بل «أمير الأعمال» أو «The BusinessPrince»، الذي بعث لي خطاباً رسمياً، مع نسخة إلى وزير العمل، يذكر فيه «إننا لا نؤيد عمل مثل تلك المناظرات لانتفاء الحاجة لها...»، وعلل انتفاء الحاجة ب«أن الوزير يقوم بشكل منتظم بإجراء الكثير من اللقاءات التلفزيونية...»، ونحن بدورنا نحترم رغبة الأمير ونسحب الطلب الذي تقدمنا به، ونود توضيح عدد من الأمور: أولاً: إننا نتفهم تشجيعه المستمر لوزير ووزارة العمل ودعمه الدائم لقرارات الوزارة وقبل ذلك جهوده في التوطين، لكننا نحزن له، لأن ذلك التشجيع لن يؤتي ثماره، فوزارة العمل عاجزة كل العجز عن تشخيص داء البطالة، أو إصلاح التشوهات في سوق العمل، ولذا فهي في تخبط وارتباك دائمين، وأغرقت نفسها والمجتمع معها، في الشكليات والتنظيمات، وسوف يكتشف قبل غيره أن وزارة العمل لا تعرف ماذا تعمل، ولا تعلم إلى أين تسير. ثانياً: النقد الذي نوجهه لوزارة العمل ووزيرها ليس نقداً شخصياً، فالمهندس عادل فقيه له من الاحترام والتقدير على المستوى الشخصي الشيء الكثير، ونظنه يدرك ذلك، لكننا لا نتحدث عن أشخاص بقدر ما هو تحذير لمسؤول عن وزارة تحمل همّ ومستقبل مجتمع ووطن بأكمله عما يمكن أن تؤدي إليه أوضاع البطالة، علما بأنه سبق أن وقفنا في صف الوزير في سالف الأيام عند تعيينه، وطالبنا في ثلاث مقالات متتالية في هذه الصحيفة أن يُعطى الفرصة الكافية لاستيعاب ملفات العمل الشائكة والمعقدة، ويمنح مدة زمنية لا تقل عن عام كامل، لكن، مع الأسف، مرت السنوات وليس هناك من بوادر نجاح على الإطلاق، بل فشل متراكم وإصرار على الفشل. ثالثاً: اهتمام كاتب هذه السطور، بالموارد البشرية والتوطين والسعودة لم يأتِ من فراغ، ولم يكن يوماً ما فيض أفكار، أو تنظيراً في الصحافة، أو ملء فراغ في الإعلام، أو تغطية مساحة في صحيفة، بل رؤية إستراتيجية مبنية على الممارسة وكثير من البحث والتقصي، وعمق في التحليل المتخصص، ومتابعة دؤوب لقصة السعودة من بدايتها، وتعامل عن قرب مع العاطلين والباحثين عن عمل وقطاع الأعمال والمنتمين إليه من رجال الأعمال الحقيقيين و«الدكاكنجية»، لذا فإن أرقامنا واستنتاجاتنا ومعلوماتنا صحيحة وحقيقية، ويعلم ذلك جميع المسؤولين في وزارة العمل وصندوق تنمية الموارد البشرية وفي مقدمهم الوزير. رابعاً: تبرمنا من أداء وزارة العمل ناتج ليس عن سوء نتائج وزارة العمل خلال السنتين الماضيتين فحسب، بل من إصرار المسؤولين وفي مقدمهم الوزير على الخطأ وتلميعهم وتلوينهم لتلك الأخطاء، كما أن سقف توقعاتنا بات عالياً لما كنا نظن أن المهندس عادل فقيه قادر على فعله، خصوصاً أن تسلمه حقيبة العمل جاء في حقبة مواتية جداً بسبب الدعم اللامحدود من قيادة هذه الدولة، فشاعرنا المتنبي يقول: ولم أر في عيوب الناس عيبًا *** كنقص القادرين على التمام. خامساً: أما بالنسبة للمقابلات واللقاءات الإعلامية التي يجريها الوزير فقد كانت من أهم الدوافع التي دعتنا إلى طلب المناظرة، لأن مقابلات الوزير تراوح بين أمرين: الأول، تفادى الوزير الإجابة عن كثير من الأسئلة، إما بحديث مرسل أو منمق إلى درجة أن المستمع والمشاهد العادي ينأخذ بكلام الوزير حتى ينسى جوهر السؤال. الأمر الثاني، إسهاب الوزير والمسؤولين في وزارة العمل في الحديث عن جهود الوزارة وفريق عمل، وكأننا نشكك في وطنية أو إخلاص أو اجتهاد وزير العمل ووزارته، مع أن الأمر غير ذلك تماماً، نحن نشكك، بل نجزم بعدم المعرفة، هذا من ناحية، أما الناحية الأخرى، فإن بعض المعلومات والأرقام التي يدلي بها الوزير إما مضللة أو غير صحيحة البتة، وسنطرح بعض الأمثلة، ونقبل بأن يكون الأمير الوليد هو الحكم. المثال الأول: اللقاء الخاص الذي أجراه الأستاذ جمال خاشقجي مع وزير العمل في قناة روتانا خليجية قبل أسابيع، وبدأ الحوار كالتالي: «العمل، البطالة، حافز، وزارة العمل تثير جدلاً لا ينتهي، لذا ندخل مباشرة في الموضوع، أهلاً أيها الوزير، سؤالي الأول: ما الهدف النهائي من كل هذه البرامج التي تضخونها في سوق العمل السعودية؟ ما النتيجة التي تريد أن تصل إليها؟ وما الذي سوف تشعر به أنه أرضاك أو أرضى الدولة التي كلفتك بمهمة واضحة؟ ما الهدف النهائي؟»، سؤال أو أسئلة صريحة ومباشرة، لكن الوزير صال وجال ومال وحكى وشكى على مدى 51،47 دقيقة من دون أن يجيب عن السؤال بشكل مباشر وصريح. المثال الثاني: ما فتئت وزارة العمل ووزيرها والصندوق ومديره يرددون على مسامعنا في كل مقابلة أنهم سيوفرون للباحثين عن عمل وظائف «مناسبة» - أرجواالتركيز على كلمة «مناسبة» - أليس هذا ما يقوله الوزير ومدير عام الصندوق؟ حسناً، هذا غير صحيح على الإطلاق وليس إلا كلام للاستهلاك، فالمادة الثانية من اللائحة التنفيذية لتنظيم «حافز»، التي أصدرها وزير العمل ذاته وينفذها المدير العام الصندوق بنفسه، تنص على أنه ليس هناك «أي إلتزام على الوزارة أو الصندوق بتوفير وظيفة مناسبة للمستفيد» من «حافز»، أليس هذا تخلصاً وتملصاً من أهم مسؤوليات الوزارة والصندوق قانونياً، من ناحية، وتغرير بالمجتمع من ناحية أخرى؟ بمعنى آخر ما يقال في الإعلام شيء وما في الواقع شيء آخر، لذا ليس بمستبعداً أن نسمع عن وظائف «القهوجيات والطقاقات». أما المثال الثالث: والأمير الوليد هو الحكم أيضاً، يردد الوزير ويعظم من شأن «نطاقات»، وأنه بسبب البرنامج تم توظيف 380 ألف مواطن ومواطنة، وذلك أضعاف عدة ما تم توظيفه في السنوات الخمس التي سبقت «نطاقات»، آسف، أضعاف «معدل» ما تم توظيفه في السنوات الخمس. هل لاحظتم الفرق في الصياغة؟ مع أن الحقيقة غير ذلك تماماً، فلا زيادة في التوظيف، وما تم ليس في معظمه إلا تصحيح للوضع القانوني للعمالة الوطنية في التأمينات الاجتماعية، وقد اعترف الوزير بذلك على إستحياء في لقائه «تحت قبة الجزيرة»، الغريب والمثير، أن موقع وزارة العمل والكتب الإحصائية المنشورة فيه للسنوات الخمس التي سبقت نطاقات وبتوقيع الوزير، تقول غير تلك الأرقام تماماً. أما رأينا في «نطاقات» فلا يهم ويكفينا الدراسة التي قام بها البنك الدولي ونشرتها الاقتصادية وعلق عليها الزميل عبدالعزيز السويد قبل أيام بعنوان «نطاقات» يشجع على الفساد «الحياة»، الأحد 17 شباط (فبراير) 2013». أخيراً، ذكر الأمير الوليد بن طلال في خطابه «أما بالنسبة إلى اقتراحاتكم فإننا على يقين أن المهندس عادل فقيه وزير العمل سينظر فيها بالشكل الذي يراه ملائماً، بحسب ما تتطلبه المصلحة العامة...»، ونؤكد له أن وزارة العمل لن تتمكن من رؤية ما طرحناه من نتائج تحتاج إلى قرارات لتتحقق، لأننا على يقين من أن الوزارة لا تملك المعرفة ولا تعرف المصلحة العامة. ختاماً، الأمير «عزيز وغالي» ونحترم رأيه، وسنسحب طلب المناظرة إنقاذاً للوزير من الورطة والتوريط، ونقول للأمير الوليد «غالي والطلب رخيص، تفداك المناظرة، وتفداك وزارة العمل». * باحث سعودي. [email protected]