أجازت جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية دراسة تعتبر أن عمل المرأة «كاشيرة» يعد من الاتجار بالبشر، لما فيه من الاختلاط وتعرّض المرأة للفتنة، وشددت على أن درء المفاسد أولى من جلب المصالح. الباحث وضع شرطاً ذكياً يخرجه من المسؤولية القانونية أمام الحكومة والأخلاقية أمام المجتمع فقال: «إذا كان الهدف من توظيفها في هذه المهنة هو استغلال جمالها وقوامها في جذب الزبائن»، وهو وضع أمثلة عدة غير «الكاشيرة» لمهن مختلفة غالبيتها صغيرة. مهنياً أشكر الزميل هاني الظاهري على التقاطه الموضوع بسرعة والتعليق عليه بسخرية فيها مرارة بتنا نتجرعها كثيراً أخيراً، وأسعد بانفراد «الحياة» بالقصة ووضعها على الصفحة الأولى أول من أمس، لمعرفتها بأبعادها وعمق ما تهدف إليه. حسناً، لن أحدثكم عن خطر تحول الموضوع من دراسة إلى فتوى، أو أعيدكم إلى تراثنا الإسلامي العربي وتاريخ عمل ومشاركة المرأة، ولا حتى عن ثنائية البيع الحلال على الرصيف، والحرام على كرسي أو محل له سقف وجدران. سأشارككم هاجساً ربما يكون مخطئاً عن عروش تقوم على ضعف وحاجة النساء بدأت تهتز، وخاف المتربعون عليها على ممالكهم، وتجارتهم في النساء زواجاً واستمتاعاً، ثم رمياً وإهمالاً، أو حتى دفناً في مقابر التعليق والمساومة. لماذا الحديث كثيراً عن المهن الصغيرة البسيطة للمرأة، ومعارضتها بشدة؟ لماذا لا تركز الحملات والدراسات والأبحاث على الطبيبات مثلاً، والأكاديميات في بعض المواقع، ومديرات الشركات، وأعضاء مجالس إدارات الغرف، وأي من الوظائف التي تصنف مالياً ومهنياً واجتماعياً بأنها أعلى؟ ربما لأن النسوة في تلك المواقع من التعليم والفهم بحيث لا يمكن أن يكنَّ من متاع مُتاجر بالزواج، ولا يمكن أن تكون أسرهن من النوع الذي يقبل ثقافياً، أو يرضخ مادياً لأشكال «الاتجار» الذي يجيزه البعض لأنفسهم بمسوغات واهية كلها تلبس ثوب الزواج، وقبعة الطلاق الدائمة الحركة. كلما زاد عدد النسوة المستقلات مادياً، صاحبات الاعتداد بأنفسهن، كلما قلّت قائمة المرشحات للمسيار والمسفار والمطيار، وقلّت المحتاجات لتفسير الرؤى، وللخلطات المباركة، وبعبارة اقتصادية، كلما زاد الطلب على الكرامة، تقلّص عرض الضعيفات مادياً وتعليمياً واجتماعياً. وأخيراً، ولأن نظام الأبحاث النظرية في كل الجامعات يفرض عدداً أدنى من المراجع ذات الصلة، وهو من وجهة نظري أحد أسباب تخلف الابتكار والجدة في علومنا النظرية، فإن هذا البحث إذا تحول لكتاب، ستظل أفكاره تنتقل من باحث إلى آخر، ولأن غالبية الباحثين يرومون الشهادة والترقية الأكاديمية، وليس المعرفة، فسيستمر استنساخ الفكرة، وغيرها كثير في مجالات أخرى، وسيظل هناك من يكرر ما لا يفقه أبعاده، مرة بحسن نية، ومرات كثيرة بنية ليست حسنة. الاتجار بالبشر جريمة وقتية، والاتجار بالمبادئ والأفكار جريمة دائمة. [email protected] mohamdalyami@