بعدما كانت ايران تهدد وتتوعد، وما زالت من وقت الى آخر، بتدمير بلدان وازالتها من الوجود، الى حد تحديد مهلة وموعد لتحقيق ذلك، ها هي اليوم تكاد لا تستطيع لملمة أوضاعها الداخلية ومواجهة موجات الاحتجاج التي تنتشر في الشوارع. وفي محاولة من التملق ومهادنة الأعداء وللهروب الى الأمام، دفعتها الأحداث الى تعيين نائب للرئيس قال يوماً أن بلاده يجب أن تكون صديقة لأميركا وللبلد الذي كان الإيرانيون يريدون تدميره! تحاول أميركا تغطية فشلها وعدم قدرتها على مواجهة التصرفات «الصبيانية» لكوريا الشمالية، بالانتقال الى تحليل نفسي يعتبرها كالمراهقين الذين يأتون بأفعال مدوية حتى يجذبوا الانتباه اليهم، ولكن من ينكر أن أميركا نفسها مصابة بأعراض مرضية لا تقل خطورة من جراء كبريائها المتزايد الذي يجعلها ان لا شيء يحصل إلا بعلمها وارادتها ويجعلها ترفض الفشل وتتخيله هو أيضاً من فعل ارادتها، أو انها تبرره دائماً على هذا النحو، على هوى المثل القائل: إذا لم يكن ما تريد فأرد ما يكون. ولا عجب ان خرجت من أوساطها المقولة التي تقول ان الإرهاب الذي يدمر أميركا هو صنيعتها بالذات! في لبنان، الذين يصرحون بضرورة التسريع بتشكيل الحكومة والتشدق بأن الشعب لم يعد يحتمل التأجيل، هم أنفسهم من يعرقلون تشكيلها ويظنون أن بتحدثهم ليل نهار يستطيعون تغيير الواقع الجلي انهم هم الأقلية وأن الحكومة كان لها ان تشكل بكل سهولة من الذين فازوا بالغالبية. لكن الذين يتصدون لقرار الغالبية الشعبية التي أفرزت الغالبية النيابية ما زالوا يظنون انهم هم أساس القواعد الشعبية في كل المناطق وهم قبل العائلات القبلية المتجذرة وهم الذين يتصدرون دائماً ومنذ الأزل طاولات الاجتماعات واللقاءات الانتخابية، ولو أنه في حقيقة الأمر قد سنحت لهم الفرصة لترؤسها نادراً بعض المرات! بعض الأحزاب لها منطق خارق يتولى تبرير كل شيء، كانت تقول انها تدافع عن نفسها ولا تعتدي على الغير، وحدودها تحرير الأرض الوطنية، ولا تتعدى حدود أرضها. صارت تقول اليوم ان قضيتها القضايا القومية والإقليمية، وإذا كانت حدود العالم على تماس مع حدود قضاياها الدولية فهذا ذنبها الجغرافي ويجب ألا تهنأ بذبك، فالعبث بأرضها واستخدام حدودها منطلقاً للعمليات التحريرية الجديدة أمر مبرر!...