"الحياة الفطرية" يطلق 10 ظباء ريم في متنزه ثادق الوطني    توقعات بإطلاق مفاوضات المرحلة الثانية الأسبوع القادم    استشهاد فلسطيني برصاص الاحتلال الإسرائيلي    الاتحاد ينتظر هدية من الأهلي في دوري روشن    حرس الحدود بعسير يحبط تهريب 300 كيلوغرام من القات المخدر    «الإحصاء»: 81.6% من السكان زاروا أماكن الفعاليات أو الأنشطة الثقافية    عسير تطلق هويتها الجديدة التي تعكس تاريخ ومستقبل المنطقة.    لوائح الاتحادات بحاجة إلى توضيح    أسعار الذهب تهبط دون 2900 دولار مع تعزيز تهديدات الرسوم الجمركية، وقوة الدولار    المحكمة العليا تدعو إلى تحري رؤية هلال شهر رمضان مساء غدٍ الجمعة    جامعة أمِّ القُرى تحتفي بيوم التَّأسيس لعام 2025م    إطلاق برنامج الابتعاث الثقافي لطلبة التعليم العام من الصف الخامس الابتدائي حتى الثالث الثانوي    قطاع ومستشفى الفرشة يُنفّذ فعالية "اليوم العالمي للسرطان"    القيادة رئيس جمهورية الدومينيكان بمناسبة ذكرى استقلال بلاده    "اجدان" تُطلق مشروع "رسين ريجان هيلز" الفاخر بالشراكة مع "NHC"    رابطةُ العالَم الإسلامي تُدين قصف قوات الاحتلال الإسرائيلية عدة مناطق سورية    إنفاذًا لتوجيهات القيادة.. بدء عملية فصل التوأم السيامي البوركيني "حوى وخديجة"    هذا التصرف يساعد على النوم بسرعة    5 محاور لخطة عمرة رمضان.. «النقل» و«الذكاء الاصطناعي» يعززان إدارة الحشود    الحوار الوطني.. سورية بيد أبنائها    على نفقة فهد بن سلطان.. «معونة الشتاء» لمحافظات ومراكز تبوك    الربيعة يبحث الشؤون الإغاثية والإنسانية مع المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية    "الأخضر الشاب" يعبر كوريا لنهائي القارة    بحضور الوجهاء والأعيان .. آل كسناوي والفران يحتفلون بتقاعد محمود فران    الزهراني يحتفل بزواجه في القطيف    مجلس إدارة «المؤسسة» برئاسة ولي العهد يعلن: افتتاح أولى مراحل «المسار الرياضي» بخمس وجهات    الجيش السوداني يتقدم جنوب الخرطوم    وزير الدفاع يبحث مع مسؤولين أمريكيين التعاون المشترك    تدشين أضخم مشروع قرآني عالمي من الحرمين    لافروف يتهم أوروبا بتحريض كييف على مواصلة القتال.. تقارب أمريكي – روسي لإنهاء حرب أوكرانيا    دور سعودي مهم للنمو والاستقرار.. وزراء مالية «العشرين» يبحثون آفاق الاقتصاد العالمي    وزير التجارة يدشّن "منتدى مكة للحلال"    روشتة بالذكاء الاصطناعي من «ChatGPT» لصوم صحي    الحربي رئيساً للاتحاد السعودي لرفع الأثقال    «شؤون الحرمين» تدعو إلى الالتزام بإرشادات السلامة    بيتربان السعودي    هنا تضمر الحكاية..أيام تجري وقلوب تتوه..    ميادين الأئمة والملوك.. تخليد ذكرى بناء الدولة    جمعيّة أصدقاء المجتمع تحتفل بيوم التأسيس    هيئة الإذاعة والتلفزيون تدشن أضخم الأعمال على شاشتها الرمضانية    أمير تبوك يواسي بن هرماس في وفاة والده    نائب أمير الرياض يُشرّف حفل سفارة الكويت    محافظ الطائف يلتقي الرئيس التنفيذي لجمعية مراكز الأحياء    القرقاح يشهد احتفال أهالي محايل بيوم التأسيس    محافظ خميس مشيط يعقد الاجتماع الأول للتعريف بمبادرة «أجاويد 3»    ترائي هلال رمضان.. ترقب ودقّة ويقين    سفارة المملكة في فنلندا تحتفل بيوم التأسيس    تخريج دورة الفرد الأساسي للقطاعات الأمنية بأكاديمية الأمير نايف    "طبيّة" جامعة الملك سعود تحتفي بيوم التأسيس    دونيس: أحتاج لاعبين بمستوى سالم الدوسري    «الأولمبية السعودية» تجدد ثقتها في لجنة البادل    تمكن اصحاب المنشآت غير الغذائية من تقديم خدماتهم بالعربات المتنقلة    يا أئمة المساجد.. أيكم أمّ الناس فليخفف.. !    أمير الشرقية يستقبل وزير الحرس الوطني    إنجازات «إنسان» على طاولة فيصل بن بندر    «الثلاثية المهنية».. درع الوطن في وجه التضليل    سلمان بن سلطان    أمير تبوك يترأس اجتماع الادارات الحكومية والخدمية لاستعدادات رمضان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أيتام الثورة السورية رجال قبل الأوان
نشر في الحياة يوم 14 - 02 - 2013

يستند أحمد إلى زاوية الغرفة كمن يحتمي بها أو يبحث في عتمتها عن ملجأ. لم تستطع عيناه استيعاب المشهد. لم يكن عقله الصغير يعرف معنى الموت. استرق الطفل ذو الأعوام التسعة النظر إلى أبيه المسجّى على الأرض... لماذا هو شاحب هكذا؟ لماذا هذا العويل والبكاء؟ ماذا يفعل الناس هنا؟ ولماذا يلتفون حول أمه وجدته؟ أسئلة كثيرة دارت في ذهنه الصغير قبل أن تقطعها صرخة: «قرب يا حبيبي ودّع أبوك الغالي». سحبته إحدى النسوة من يده المتخشبة نحو الجثة الهامدة وهي تبكي: «بوس أبوك يا ابني، بوسه قبل ما يروح». اقترب أحمد وطبع قبلة على جبين أبيه، صدمته البرودة وشهقات نحيب تعالت من الجميع، فانسحب مسرعاً إلى الزاوية وراح يبكي وقد أيقن أنه لن يرى والده مرة أخرى.
يعيش الأطفال نتائج العنف في سورية بكل أشكاله: يُقتلون، يُعتقلون، يُخطفون، يفقدون أجزاء من أجسادهم الطريّة ومن أرواحهم أيضاً. دوي المدافع يكاد يصم آذانهم، وأزيز الطائرات يروّع قلوبهم، ومشاهد القتل والدمار شريط يتجدد أمام أعينهم كل يوم مباشرة أو من خلال البث الحي لشاشات الفضائيات. وتتفاوت ردود فعلهم تجاه هذه الصدمات العنيفة تبعاً للعمر والجنس: قد تتمثل في الانزواء ومصّ الأصابع، أو البكاء المستمر، أو كوابيس ليلية. لا ينام هؤلاء الأطفال ليل،اً وروحهم لا تعرف الراحة، ذهنهم مشتّت ويصعب عليهم التركيز، بينما لا تفارق ذهنهم صور الموت والدم والدمار. «طفلتي تركض لتختبئ تحت ثوبي عندما تسمع رشقات الرصاص»، تقول إحدى النساء الهاربات من مناطق القصف. وتضيف: «ابنتي الأكبر لا تسيطر على نفسها، وتبول في ملابسها بمجرد سماع دوي انفجار قريب». وتستدرك: «أعطانا أحد الأطباء بعض المهدّئات، ولكنه قال إن المسألة لا يعالجها الدواء وتتعلق باستمرار الظروف الصعبة والمخيفة التي يعيشها الأطفال».
والحال الأسوأ تتجسّد في الأطفال الذين فقدوا بعض أحبتهم أو شهدوا بأنفسهم إذلال أهلهم وأقربائهم، كيف يمكن هؤلاء الأطفال أن يحافظوا على طبيعتهم وطفولتهم عندما ينظرون إلى رموزهم وقوة مثالهم وسلطتهم الأبوية ومدرّسيهم في حال ضعف ومهانة مفروضة؟ ألا يضطرب توازنهم العاطفي والنفسي ويشعرون كأنهم بلا حماية؟ وعندما يفقد الطفل الإحساس بالحماية، وهي من أهم حاجاته النفسية، يكون أمام خيارين: إما أن يضيع ويقع فريسة «لحماية وحوش» تدمر طفولته، وإما يحاول التمرّد في شكل لاشعوري تعويضاً عما افتقده، فيحرق مرحلة طفولته ويقفز عن المحطات الطبيعية للتدرج في التشكيل النفسي والجسماني باتجاه النضج السليم! «بابا شهيد الوطن والحرية»، قالها مخنوقاً أحمد، ابن درعا الصغير. وأضاف بقوة يحاول اصطناعها: «أنا الآن رجل الأسرة، وروحي أيضاً فداء سورية الحرة».
كثيراً ما يُلبس المجتمع كل ضحية صغير فقد أخاً أو أباً أو أماً... أدواراً أكبر منه في أيام السلم، فما بالك في أوقات الأزمات والثورات عندما يدفع الأهل والأحبة أثماناً غالية كل يوم. عندها، لا وقت لمراعاة مشاعر الطفل ومراقبه نموّه العاطفي وتوازنه النفسي. ويتأثر الأطفال اليتامى الذين فقدوا أحد الأبوين أو كلاهما سلباً، فتضعف علاقاتهم الاجتماعية بالآخرين ويؤدي انعزالهم والشعور بالوحدة إلى إصابتهم بحالات من الاكتئاب، وإلى إحساس دفين بالحرمان وعدم الاطمئنان وضعف الثقة بالنفس والسلوك العدواني، بالإضافة سرعة الانفعال والاستثارة وحدوث نوبات من الغضب والعناد. إنهم أيتام وضحايا في ظروف خاصة، ويحتاجون -بالتالي– إلى عناية خاصة وحماية مضاعفة للحفاظ على أمانهم الداخلي، وكي لا يتمكن تجار الحروب وعديمي الأخلاق والضمير من استغلال هشاشة وضعهم والظروف الخطرة وغير المستقرة التي يعيشونها من دون أهل أو بيت أو أي موارد.
يتعرّض الطفل الذي يعيش العنف أو يواجهه لتأثير سلبي وتغييرات عميقة في تكوينه، لأن نموه البدني والنفسي والعاطفي لم يكتمل بعد، ولأن بيئة الأزمات والصراعات لا توفر له الشروط الطبيعية للنجاة والدفاع عن النفس كتلك التي تتوافر للبالغين. إنها بالنسبة إلى الطفل شكل كارثي ومعقد من حياة غريبة. إنها دمار وحزن وقتل وتشريد وغيرها من المآسي. ويزيد الضرر على الطفل تسابق الفضائيات إلى منحه دور البطولة، فهو الصغير المقهور والمتألم والأقرب إلى نيل شفقة المشاهدين وتعاطفهم ليصبح ضحية مرتين: مرة ضحية العنف، ومرة أخرى ضحية «بروباغاندا» إعلامية تستثمر ألمه ببرودة أعصاب وتصمه أمام أنظار كل العالم!
ولعل أبلغ تعبير هو لافتة رفعها طفل صغير في إحدى التظاهرات في مدينة بنش السورية، كتب عليها: «وطني، أليس للحزن فيك تاريخ انتهاء صلاحية، أو على الأقل يُحفظ بعيداً من متناول الأطفال»!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.