أدى التهافت على شراء العملات الصعبة إلى نقص في إمداداتها، ودفع بعض المتعاملين إلى البحث عن أشخاص يرغبون في بيع الدولار، ما أدى إلى نشوء سوق سوداء جديدة. وفقد الجنيه حتى الآن ثمانية في المئة من قيمته منذ 30 كانون الأول (ديسمبر) الماضي، في حين أن سعره المنخفض في السوق السوداء يُظهر أن على رغم نجاح البنك المركزي في وقف تراجعه في السوق الرسمية الأسبوع الماضي، فإن المصريين يخشون الاحتفاظ بحيازاتهم من العملة الوطنية. ويتجول بعض المتعاملين بحذر خارج مكاتب الصرافة المعتمدة والبنوك في القاهرة ويعرضون سعراً أفضل لمن يريدون بيع العملة الصعبة، وهي طريقة غير قانونية. وقال أحد المتعاملين: الكل يطلب دولارات، ولكن الإمدادات شحيحة. وكان «المركزي» اتخذ خطوات الأسبوع الماضي لإدارة سعر الصرف، منها تقليص نطاق تداول الجنيه الذي بلغ سعره في أحدث عروض الشراء 6.71 جنيه للدولار في السوق المصرفية أول من أمس. ويشكل ذلك انخفاضاً نسبته 13.4 في المئة عن المستوى المسجل عشية الانتفاضة التي أدت إلى سقوط نظام الرئيس السابق محمد حسني مبارك. وفي أحد شوارع القاهرة عرض تاجر بيع الدولار ب6.95 جنيه، أي أعلى من السعر الرسمي ب3.5 في المئة، بينما طلب آخر 6.89 جنيه. وانعكس تراجع الجنيه في انخفاض الاحتياطات الأجنبية التي هبطت إلى 13.6 بليون دولار نهاية كانون الثاني (يناير) الماضي لتنزل عن مستوى 15 بليوناً المطلوب لتغطية واردات ثلاثة أشهر. ولفت بعض المستوردين إلى أنهم يضطرون لتدبير حاجاتهم من العملة الأجنبية عبر ما يسمونها السوق الموازية أو المفتوحة، ما يؤدي إلى تعقيد مناخ الأعمال المتضرر بالفعل بسبب الاضطرابات السياسية. وقال مسؤول تنفيذي في شركة استيراد إن الشركات تستطيع الآن تدبير حاجاتها من الدولار من السوق السوداء، ولكنه توقع أن تقل الإمدادات أكثر خلال الأسابيع المقبلة. وأضاف: «الشركات لا تجد مشكلة في تدبير حاجاتها من الدولار من السوق المفتوحة، ولكن هناك هامشاً يراوح بين 16 و20 قرشاً بين سعر البنك والسوق المفتوحة». وتوقع المسؤول، الذي طلب عدم نشر اسمه لأنه يناقش سوقاً غير مسموح بها قانوناً، أن تشح الإمدادات بسبب عوامل مثل الاضطرابات السياسية. وقال: «ماذا سيحدث؟ يُرجّح أن نلاحظ اختفاء بعض المنتجات من المحلات، ولكن التحديات التي نواجهها الآن لا تقارن بما قد يأتي لاحقاً». وأكد محافظ البنك المركزي هشام رامز أنه ليس قلقاً من ظهور سوق سوداء للعملة. ونقل ملحق «بنوك اليوم» الأسبوعي التي تصدره صحيفة «العالم اليوم» المالية، عن رامز قوله إنه واثق من أن السلطات لديها الأدوات اللازمة للقضاء على هذه السوق تماماً، في حين لا مؤشرات على أن الشرطة استهدفت أي تاجر عملة. وأشار مصرفي طلب عدم ذكر اسمه إلى أن المصرفيين الذين يسعون إلى الوفاء بحاجات زبائنهم من العملة الصعبة عبر القنوات الرسمية يضطرون للانتظار أسابيع أو شهوراً. وأضاف: «اعتدت أن أطلبها وأحصل عليها في اليوم التالي أو الذي يليه على أقصى تقدير». ودفع تراجع الاحتياطات الأجنبية البنك المركزي إلى استحداث عروض منتظمة للدولار في أواخر كانون الأول الماضي لتفادي أزمة عملة. ويحدد المتوسط المرجح المعروض في تلك العروض سعر الصرف الرسمي في البنوك ومكاتب الصرف الأجنبي، بينما سمح «المركزي» للبنوك بشراء الدولار أو بيعه، أو ما يعادله، للبنوك الأخرى في نطاق نصف في المئة أعلى أو أقل من المتوسط المرجح، قبل أن يُقلصه إلى قرش واحد أعلى أو أقل من المتوسط المرجح. وأكد متعاملون أن العملة تعافت قليلاً منذ سجلت أدنى مستوياتها في السوق السوداء عند نحو 7.5 جنيه للدولار أواخر الشهر الماضي، حينما تفجرت أعمال عنف في الشوارع أثناء الذكرى الثانية للثورة. ولكن بعضهم توقع أن يتعرض الجنيه إلى مزيد من الضغوط إذ أن الاضطرابات السياسية تؤجل فرص البلاد في التوصل إلى اتفاق مهم مع صندوق النقد الدولي في شأن قرض قيمته 4.8 بليون دولار. وأشار «بنك أوف أميركا ميريل لينش» في تقرير الأسبوع الماضي، إلى أن «آلية إدارة الصرف الأجنبي الحالية قد تواصل نجاحها لبعض الوقت، إلا أن الجنيه سيبقى عرضة للتأثر في غضون ذلك»، مرجحاً «تزايد الطلب المحلي على الدولار وتوسع الفجوة بين السعرين الرسمي والموازي». وقال الموظف في المجموعة المالية «هيرميس» سايمون كيتشن: «من الصعب توقع حدوث توازن طويل الأمد في سوق الصرف قبل تحسن الوضع السياسي، وحتى نرى على الأقل اتفاقاً مع صندوق النقد».