أسبغت الوضوء وصليت ركعتين قبل أن أذهب إلى فراشي للنوم، ودعوت الله أن يريني في المنام وزير المالية السعودي الدكتور إبراهيم العساف، وأن تتاح لي فرصة اللقاء والحوار معه، ووضعت أمامي مقالة الزميل جميل الذيابي، التي نشرها الأسبوع الماضي، تحت عنوان: «مهاتفة» مع حمد بن جاسم». وقلت: أتمنى، مثلما جميل الذيابي من حوار مطول مع وزير خارجية قطر في المنام، إجراء حوار موسع مع وزير المالية، في جعبتي الكثير، وألاّ تكون الأحلام ولقاء الشخصيات الكبيرة مقصورة فقط على رؤساء التحرير ومساعديهم، فمثلي من الصحافيين الصغار حلم أن يلتقوا ويقابلوا ويجلسوا ويستجوبوا ويحاوروا، ومادام إجراء هذا اللقاء صعباً على أرض الواقع، وتأكيداً أن الأحلام متاحة لكل الطبقات والمستويات، ومن مبدأ حرية الحلم، نمت على جانبي الأيمن، وأبقيت المصباح الصغير مضيئاً حتى لا يتحول الحلم إلى كابوس، واستسلمت للنوم على شقي الأيمن... مضى وقت طويل حتى وجدت نفسي وجهاً لوجه أمام الدكتور إبراهيم العساف في أحد الفنادق، كان واضحاً أنه ليس أحد فنادق الرياض، في لندن أو دافوس، لأنه كان يلبس بدلة زرقاء رسمية، كنت جالساً في بهو الفندق أحسب أنني كنت من الحاضرين لهذا اللقاء فوقفت، حينما شاهدني بادر بالتحية وأخذني جانباً وقال لي: «خف علينا شوي، ليش مستقصدني في مقالاتك»، وتتهمني دائماً أنني السبب في وقف الاعتمادات المالية للمشاريع. قلت للوزير العساف: أولاً أهالي تبوك يسلمون عليك، وثانياً بصراحة، كل أصابع التقصير تتجه نحو وزارتكم، طيب تتصور العام الماضي طلعت علينا بعد إعلان أرقام الموازنة وصرحت أنه تم اعتماد 87 بليوناً للصحة والتنمية الاجتماعية، و29 بليوناً للخدمات البلدية، وقلت إن الطرق والنقل والاتصالات خصص لها 35 بليوناً، أما المياه والصناعة والزراعة فخصص لها 58 بليوناً، وبالنسبة لتنمية المناطق رصد لمشاريعها 265 بليون ريال، وخصص مبلغ 168 بليوناً للتعليمين العام والعالي، وتدريب القوى العاملة، ووعدتم بإنشاء 700 مدرسة واعتماد لاستكمال المدن الجامعية، ومشاريع التدريب الفني والتقني، أما الشيء المهم هو أنكم أعلنتم عن بناء 17 مستشفى جديداً ومدن وأندية رياضية ودعم برامج الضمان الاجتماعي. والله، كلام كبير قلته وثقيل، بالله عليك... كم صرفتم من موازنة العام الماضي؟ «شوف» يا جمال، هكذا قال الوزير، بعض الوزارات ما عندها تقديرات حقيقية لحاجتها من المشاريع، أقصد مثلاً وزارة التعليم، «لما» ترصد بناء مثلاً 200 مدرسة تكتبها على الورق، «بس ما في» خرائط أو تصاميم، حتى أنهم «ما عندهم» أراضٍ عشان يبنوا عليها مدارس، يعني نحن «نعطي فلوساً وكمان ندور أراضي» للوزارات، أما تأخر الصرف فهذا ليس منا، مهمة وزارة المالية ضمان اكتمال الأوراق وتسليم الدفعات، نكتشف أن المقاول ما نفذ المشروع ويطالب بالدفعات، «طيب مين يراقبه». اسمح لي يا دكتور، قلت له: هذه مبررات وأعذار غير منطقية، قبل أيام كان أمين منطقة تبوك على قناة روتانا خليجية، وفي برنامج «يا هلا» مع الزميل علي العلياني، قال إنه لم يصرف لمشاريع الأمانة سوى 20 مليون ريال المخصصة لمواجهة السيول والأمطار، وقبل عامين اتهمت وزارة التربية والتعليم وزارة المالية أنه بسبب وقف الاعتمادات تتعطل المشاريع، أسألك بالله: هل زرت جامعة الجوف، على فكرة، «فيه» مستشفى في جدة من ستة أعوام يُبنى وحتى الآن «ما انتهى»، ومدينة الملك عبدالله الرياضية، يعلن أكثر من 15 مرة خلال 20 عاماً أنها ستنفذ ولم يبدأ العمل فيها إلا قبل عام، «طيب» مشروع مركز الملك عبدالله المالي ستة أعوام، «معقول يا دكتور ما لكم دور في التأخير»! قاطعني الوزير العساف ونفى بشدة أن يكون السبب في تعطل معاملات، وقال لي: أكيد إجراءات الصرف تأخذ وقتاً، ومادامت الأوراق غير مكتملة فمن الضروري ألا تصرف، ولا تنسى أن وزارة المالية لديها ضوابط وأنظمة صرف تسير عليها، وليس ذنبنا حينما يتعثر مشروع لاختلاف وجهات نظر بين المقاول والوزارة التي تنفذ لصالحها المشروع. فقلت له: بس «نزاهة» أعلنت قبل أشهر أنها اكتشفت ثلاثة آلاف مشروع متعثر، قاطعني الوزير: وهل هذه مسؤوليتنا يا جمال؟ لماذا لم تسأل تلك الوزارات لماذا تعثرت؟ يا جمال، أنتم الصحافيون والكُتّاب تتناولون القضايا والمواضيع بطريقة سطحية، و«ما عندكم» معلومات كاملة، وتكتبون دائماً بانفعال وغير منطقي، «ليش ما تقابلوا» أصحاب شركات المقاولات وتعرفون السبب عن سحب المشاريع منهم، يا أخي، نصفهم غير مؤهلين للمشاريع. لا لا، قاطعته وقلت له: أنت تبحث عن مبررات يا دكتور، الصحف لا تنشر معلومات مغلوطة، أو اتهامات غير صحيحة، راجع الصحف في الأعوام الخمسة الأخيرة تجد أن نسبة تعثر المشاريع زاد بشكل كبير ولافت، البعض يعتقد بأن 30 في المئة من الموازنة التي رصدت تم إنفاقها، «طيب سؤال على السريع، ايش أخبار السكن»؟ يقولون في «المشمش»، «حرام عليك»، هكذا قال لي الوزير، الإخوان في وزارة الإسكان «شادين حيلهم»... قاطعته: بعض المشاريع توقفت لأن المقاول لم يتسلم مستحقاته، يا أخي، 250 ألف وحدة سكنية، «أكيد» هذا يتطلب وقتاً، اصبروا لا تستعجلوا... «الخير جاي». وتركني في بهو الفندق، وغادر. * إعلامي وكاتب اقتصادي. [email protected] @jbanoon