يبدأ مجلس الشورى المصري الذي يمتلك السلطة التشريعية موقتاً ويهيمن عليه الإسلاميون خلال أيام مناقشة قانون لتنظيم التظاهر الذي يعطي الشرطة صلاحيات واسعة في منع التظاهرات وفضها، تمهيداً لإقراره، ما يكرس اعتماد الحكم الخيار الأمني، بعدما رفض تقديم تنازلات سياسية تهدئ من الاحتجاجات التي اندلعت قبل أسبوع. وكانت قوى المعارضة ومدافعون عن حقوق الإنسان أبدوا تحفظهم عن مشروع القانون، وأكدوا أن السلطة لن تتمكن من تطبيقه على الأرض. وينص مشروع القانون الذي يضم 26 مادة على أن «حق التظاهر السلمي مكفول وللمواطنين حق الدعوة إلى التظاهرات وتنظيمها والانضمام إليها». لكنه يشدد على أن ممارسة الحق في التظاهر تكون «على نحو لا يؤدي إلى الإخلال بالأمن أو النظام العام، أو تعطيل مصالح المواطنين، أو قطع الطرق أو المواصلات، أو تعطيل حركة المرور، أو الاعتداء على الممتلكات أو حرية العمل»، وكلها عبارات فضفاضة لطالما استخدمتها السلطة لتقويض حق التظاهر. ويحظر القانون تنظيم تظاهرة «إلا بعد تقديم إخطار إلى مركز الشرطة المزمع بدء التظاهرة في دائرته، قبل موعدها بخمسة أيام على الأقل»، ما يحد من حرية التظاهر. ومن المعلوم أن كثيراً من التظاهرات التي خرجت منذ الثورة كانت بعد ساعات قليلة من قرارات أصدرتها السلطة تثير غضب معارضيها. ويسمح القانون الذي يتوقع أن يسرع مجلس الشورى في تمريره، لوزير الداخلية أو مدير الأمن المختص «الاعتراض على التظاهرة بطلب يقدم إلى القضاء بإلغائها أو إرجائها أو نقلها إلى مكان أو خط سير آخر متى وجدت أسباب جوهرية لذلك، ويصدر القاضي قراراً مسبباً بذلك على وجه السرعة». وأعطى المحافظين، بالتنسيق مع وزير الداخلية، سلطة تحديد «حرم لا يزيد على 500 متر لإقامة التظاهرات أمام المنشآت الحيوية في مقدمها الرئاسة والبرلمان ومقرات الحكومة والسفارات والمستشفيات والسجون وأقسام الشرطة والمناطق العسكرية ودور وأبنية المحاكم»، كما حظر على المتظاهرين إقامة منصات للخطابة أو للإذاعة وإقامة خيام بغرض المبيت أمام تلك المنشآت، كما حظر «ارتداء الأقنعة أو الأغطية التي تخفي ملامح الوجه، والكتابة أو الرسم على الممتلكات العامة أو الخاصة» أو «حمل لافتات أو إلقاء أي عبارات أو أناشيد أو أغان تعد من قبيل السب والقذف أو يكون من شأنها تحقير أو ازدراء الأديان السماوية أو تثير الفتنة أو تحرض على العنف أو الكراهية». ودافع عضو اللجنة التشريعية في الشورى القيادي في جماعة «الإخوان المسلمين» الحاكمة صبحي صالح عن مشروع القانون، مؤكداً أنه «سيحد من الجرائم التي تشهدها مصر والتي يصفها البعض بأنها أفعال ثورية». وأشار إلى أن «وزارة العدل انتهت من مشروع القانون وسترسله إلى الشورى خلال الأيام المقبلة لمناقشته». وأوضح أنه «بموجب هذا القانون يمكن القبض على المسجلين خطر من دون ارتكابهم أي فعل إذا تواجدوا في محيط الاشتباكات أو الوقفات الاحتجاجية». ورأى أن «أعمال الشغب التي تشهدها ميادين مصر الآن تحتاج تفعيل القوانين التي تستلزم التصدي لمثيري الشغب وضرورة قيام مجلس الشورى باستعجال الحكومة في إرسال مشروعي قانون التظاهر ومنع الشغب للبدء في مناقشتهما». لكن مدير «المركز العربي لاستقلال القضاء» ناصر أمين قال ل «الحياة» إن «هذا القانون يجوز تطبيقه في الدول المستقرة ديموقراطياً، أما في حالات الدول التي تمر بتحول ديموقراطي فيعد تقييداً لحق التظاهر وحرية التعبير». واعتبر أن «السلطة لجأت إلى الحل الأمني من دون بحث عن مخارج سياسية للأزمة التي تمر بها البلاد». وأضاف: «عليهم أن يصدروا تشريعات من شأنها تخفيف الاحتقان السياسي والاجتماعي، أما قانون تنظيم التظاهر فهو آخر الحلول التي يمكن للسلطة السير في طريقها». وحملت «جبهة الإنقاذ الوطني» التي تضم قوى المعارضة المصرية الرئيسة الرئيس محمد مرسي وحكومته مسؤولية العنف ضد المتظاهرين، خصوصاً «أحداث العنف الممنهجة ضد المتظاهرات السلميات والتي وقعت منذ 25 من الشهر الماضي وما تلاها من أيام في ميدان التحرير وعدد من الشوارع المجاورة، من خلال استخدام التحرش الجنسي والأسلحة البيضاء بصورة غير مسبوقة بهدف قهر إرادة المرأة وإخماد صوتها صوت الثورة وانتهاك كرامتها وحقها في التظاهر السلمي والتعبير عن الرأي». وحملت الجبهة في بيان أمس الرئيس وحكومته ووزير داخليته «المسؤولية السياسية والجنائية عن العنف والتعذيب والسحل الصادر من قوات الأمن وكذلك عن الإخفاق في حماية المتظاهرين السلميين من اعتداءات ميليشيات العنف والبلطجة، خصوصاً العنف ضد نساء مصر شريكات الصفوف الأولى لثورة 25 يناير وشريكات النضال حتى تحقيق أهداف الثورة». وقالت إن «هذه الاعتداءات والتحرشات الجماعية الممنهجة لا تنفصل عن أساليب القمع والسحل والتعذيب وانتهاك الحرمات والاغتيال المادي والمعنوي التي تمارس ضد الثورة والثوار عموماً». وأكدت أنها «تثق بأن الممارسات بالغة العنف وغير المسبوقة ضد المرأة المصرية لن تنجح في كسر إرادتها وإصرارها على التمسك بالميدان وحق المشاركة السياسية والتظاهر السلمي». وأعلنت «تضامنها الكامل سياسياً وقضائياً مع ضحايا هذه الأحداث وكل أحداث العنف والسحل والتعذيب ضد المتظاهرين السلميين». لكن وزارة الداخلية دافعت عن نهجها. وطالب نائب مساعد وزير الداخلية للأمن العام اللواء عبدالفتاح عثمان أمام جلسة عقدها مجلس الشورى لمناقشة أحداث العنف التي اعترت التظاهرات، ب «أن يُسمح لوزارة الداخلية باتخاذ التدابير الأمنية اللازمة، بما فيها تطبيق إجراءات التحفظ على المسجلين جنائياً وأصحاب السوابق قبل الحدث، بما يساعد على القضاء سريعاً على الفوضى»، وهو ما يعني إعادة إحياء قانون الطوارئ. واعتبر أنه «من دون ذلك ستفقد قوات الشرطة قدراً كبيراً من سيطرتها على الشارع»، لافتاً إلى «انتشار أسلحة لم تكن معروفة سابقاً في مصر، ووصل الأمر إلى ضبط صواريخ مضادة للطائرات في أحد المنازل». على صعيد آخر، أرجأت المحكمة الدستورية العليا الحكم في دعوى ببطلان الجمعية التأسيسية التي وضعت الدستور الجديد إلى الثالث من الشهر المقبل. وكان عدد من المحامين أقام دعويين للمطالبة بإلغاء قانون معايير انتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية لوضع الدستور الصادر في تموز (يوليو) الماضي عن البرلمان المنحل. وتضمنت طلبات المدعين «وقف تنفيذ العمل بالقانون وانعدام آثاره كافة بوصفه عقبة قانونية في تنفيذ الحكم الصادر من المحكمة الدستورية ببطلان انتخابات مجلس الشعب وحل المجلس». يُذكر أن هناك دعاوى أخرى كانت تطالب ببطلان تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور وحلها، وتم إحالتها من محكمة القضاء الإداري في مجلس الدولة على المحكمة الدستورية العليا وذلك للفصل في مدى دستورية مادة من قانون معايير انتخاب أعضاء الجمعية التأسيسية. ولم يتم بعد تحديد جلسة للنظر في الدعاوى المحالة من القضاء الإداري أمام المحكمة الدستورية، كونها لا تزال متداولة أمام هيئة المفوضين في المحكمة لإعداد تقرير بالرأي القانوني فيها.