إذا كان من سمة بارزة في الجانب القانوني السعودي الداخلي خلال العقدين الماضيين، فهي القفزات الرائدة التي تم من خلالها تطوير الأنظمة الداخلية للمملكة العربية السعودية، ومن ثم انتقل المجتمع السعودي من مجتمع تحكمه الأعراف إلى مجتمع مقنن. وبغض النظر عن الحقيقة الماثلة في أن تطوير عدد من الجوانب القانونية لم يتوقف منذ إرساء الدعائم الأولى للدولة السعودية الثالثة، إلا أن ما قامت به المملكة من تقدم ملموس في تطوير مختلف الجوانب القانونية في عهد الملك الراحل فهد بن عبدالعزيز، وخلال فترة خادم الحرمين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، لا يضاهى بما سبقه. فخطوات التقنين التي خطتها الحكومة السعودية في العقدين الأخيرين، شملت كل جوانب الحياة في المجتمع السعودي، بما في ذلك أنظمة الحكم التي تم تقنينها في شكل متطور ودقيق، يتناسب مع مكانة المملكة العربية السعودية السياسية والاقتصادية والثقافية. بيد أن جوانب القانون السعودي الداخلي، نظراً الى قصر عمره من ناحية وإلى تغير حاجات المجتمع السعودي من ناحية أخرى، في حاجة إلى تطوير مستمر ليتلاءم مع متطلبات المجتمع السعودي الحديث، ويتلافى جوانب القصور التي تعتريه. في هذا الخضم، تأتي نظرة واعية من وزارة العدل السعودية بالسماح للمحامين الأجانب بمزاولة مهنة المحاماة داخل أروقة المحاكم السعودية، كما تناقلت هذا الخبر وسائل الإعلام يوم أمس. لكن هذا الخبر، وإن كان يحمل الكثير من الإيجابيات، إلا أنه يثير أسئلة بقدر ما يجيب، حول الوضع الراهن لنظام المحاماة المعمول به في المملكة العربية السعودية! فعلى رغم أن فكرة السماح للمحامين الأجانب بمزاولة مهنتهم في المحاكم السعودية، قد تكون سبباً لإثراء المهنة والاستفادة من الخبرات الأجنبية، وتزيد من المنافسة المطلوبة في هذا الجانب، فضلاً عن كونها تتماشى مع القوانين الدولية التي وقعتها والتزمت بها المملكة العربية السعودية، إلا أن سؤالاً يدور في أذهان العديد من المواطنات السعوديات، حول سبب استمرار حرمان المرأة السعودية من القيام بدور «محامية»، ولا يكاد يجد جواباً! فالحظر العرفي لمزاولة المرأة السعودية مهنة المحاماة، أمر يحسن إعادة النظر فيه، خصوصاً مع سياسة الانفتاح المعتدل التي تنتهجها حكومة خادم الحرمين، ولملاءمة ذلك مع المتغيرات التي يشهدها المجتمع السعودي المعاصر. إضافةً إلى ذلك، فإن المرأة السعودية، قد لا تجد من المناسب توكيل «محام» أجنبي، لبعض قضاياها الخاصة في الحصول على حقوقها، ومن هذا الباب ربما تركت بعض النساء حقوقهن الشرعية لهذا السبب! فعلى سبيل المثال، تمثل حالات الطلاق في السعودية نسبة كبيرة من حالات الزواج، وفي مدينة الرياض وحدها تفوق نسبة الطلاق الثلث من حالات الزواج، وهي نسبة من أكبر نسب الطلاق في العالم! وفي هذا الخضم، يرفض عدد من النساء السعوديات اللجوء إلى محامين رجال، نظراً إلى ما في موضوع الزواج والطلاق من خصوصيات قد تخجل المرأة السعودية - المعروفة بفطرتها الخجولة – أن تبوح بها لرجل أجنبي! ومعلوم أن المرأة السعودية التي تضطر إلى تمثيل نفسها بنفسها أمام القاضي، تجنباً للتعامل مع مكاتب المحامين الرجال، قد يفوتها الكثير، ليس فقط لعدم تمكنها من إداء هذه المهمة الصعبة، ولكن أيضاً بسبب جرأة الرجل الفطرية في المطالبة بحقوقه، والتي غالباً ما تكون أغلب في الحجة أمام القاضي! أوليس رسول الله صلى الله عليه وسلم من قال: «إنكم تختصمون إليّ فأقضي لكم على نحو ما أسمع، فلعل أحدكم ألحن بحجته من صاحبه، فمن قضيت له شيئاً من حق أخيه فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار»؟! فكيف تتمكن امرأة - لم يسبق لها أن دخلت محكمة في حياتها - أن تحصل على حقوقها المادية والمعنوية في هذه الظروف؟! غني عن القول، إن القوانين الغربية لا تفرق في أداء مهنة المحاماة بين الرجل والمرأة، وتبعاً لذلك، فإذا ما فتح الباب «للمحامين الأجانب» في الترافع في المحاكم السعودية، فإن ذلك يعني فتح الباب «للمحاميات الأجنبيات» بالدرجة نفسها! وكان الأولى بوزارة العدل، قبل أن تفتح الباب للمحامين الأجانب - من غير أن ينقص ذلك من أهمية اتخاذ هذا القرار - كان الأولى أن تفتح أبواب المحاكم السعودية للمرأة السعودية المؤهلة للترافع في هذه المهنة الشريفة! أما إذا بقيت الحال على ما هي عليه في حظر المواطنات من الحصول على رخصة المحاماة - حيث لا توجد اليوم محامية سعودية واحدة - فإنه ربما يثير ذلك استهجان واستغراب المؤسسات الحقوقية الأجنبية قبل الداخلية! فهل من المقبول أو المعقول، شرعاً أو عرفاً، أن تحصل الأجنبيات على حقوق المرافعة في المحاكم السعودية في حين لا تزال المواطنات السعوديات يطالبن بحقوقهن؟! أم كيف يمكن قبول فكرة أن ترافع محامية أجنبية أمام قاض في المحاكم السعودية، في حين تمنع مثيلتها من داخل البلاد، لمجرد كونها تحمل الجنسية السعودية؟! * حقوقي دولي