يُعتبر نظام التعليم والتدريب المهني المعتمد في ألمانيا فريداً من نوعه في العالم، وأثبت أهميته في تأهيل الشباب وحمايتهم من البطالة في فترات الأزمات، ومنها أزمة الديون المستمرة في أوروبا، ما دفع كثيراً من الدول الأوروبية إلى التفكير بنقل التجربة إلى أراضيها بسبب الأهمية الاقتصادية للقطاع. وأشاد الرئيس الأميركي باراك أوباما بدوره بالنظام واعتبره مثالاً يجب الاقتداء به. وتعود بدايات التدريب المهني إلى العصور الوسطى حين وُضعت قواعد تدريبية لعدد من المهن. ومنذ العام 1869 يسري في ألمانيا قانون التعليم المهني الإلزامي للعمال الشباب دون سنّ ال18، وتتعاون الدولة والقطاعات الاقتصادية في الإشراف عليه والعمل على تحسينه. ويمكن التلاميذ في ألمانيا اليوم أن يقرروا وهم في سنّ ال15، ما إذا كانوا يريدون اختيار الاتجاه المهني، وعندها يغادرون المدارس العامة للانتقال إلى المؤسسات والمصانع والشركات التي يرغبون في العمل فيها ليصبحوا نجارين، طباخين، ممرضين أو مصرفيين أو غير ذلك. ويمكن لمن يتخذ قراره الاختيار حالياً بين 344 مهنة في البلد، ويعمل المتدربون أربعة أيام في الأسبوع في أماكن عملهم في المؤسسات، ويتلقون في يوم خامس دراسة مهنية نظرية. وخلال فترة التدريب والتعليم يتعرف أرباب العمل والمتدربون على بعضهم البعض، ما يشكّل فرصة مهمة للحصول على عمل في المؤسسة بعد انتهاء التحصيل. وهذا الأمر غير موجود في أي بلد آخر باستثناء النمسا وسويسرا إلى حدّ ما. ويحقق هذا النظام منافع كبيرة، أهمها التفوق على شباب الدول الأخرى الذين يتلقون تدريباً نظرياً في المدارس المهنية المفصولة عملياً عن أماكن العمل والإنتاج. ويتيح النظام المزدوج إختيار مهنة في قطاع التجارة أو الحرف اليدوية، إضافة إلى تلقي التلاميذ مبلغاً محدداً من المال شهرياً خلال تدربهم. ويقول مدير سياسات التعليم والاستشارات التدريبية في غرفة الصناعات الحرفية في كولونيا ماركوس آيكهوف، «تستفيد الشركات بدورها من النظام، والتدريب المهني في ألمانيا مفتوح أمام جميع الشباب والشابات سواء أتموا المرحلة المتوسطة أو التعليم الثانوي». ويضيف أن ألمانيا «تسير في هذا المجال في طريق مميز، ففي غضون سنتين أو ثلاث سنوات ونصف سنة يقضونها في التدريب والتعليم يحصل الشباب على كثير من المعرفة التخصصية التي تعينهم في عملهم». ويتدرّب حالياً حوالى 1.5 مليون شاب وفتاة وفق النظام المزدوج في ألمانيا. ولا يجد كثير من خريجي المدارس مكاناً للعمل لأن متطلبات الحصول عليه زادت باطراد. فعلى سبيل المثال، على ميكانيكي السيارات اليوم التعامل مع الإلكترونيات أيضاً، وعليه بالتالي امتلاك معرفة جيدة في الرياضيات. حملة الشهادة الثانوية لذا يفضل معظم أصحاب الأعمال قبول متدربين يحملون الشهادة الثانوية. ولهذا السبب فان شباب الأسر المهاجرة إلى ألمانيا من الدول النامية يعانون أكثر من غيرهم في هذا المجال. وفي فرنسا، لا يدخل في برامج التدريب المهني سوى التلاميذ ذوي العلامات الأضعف في المدارس، وفي كثير من البلدان الأخرى يُنظر إلى التدريب المهني على أنه شيء متخلف مقارنة بالدراسة الجامعية، أما في ألمانيا، فما زال النظام المزدوج يشكل نموذجاً مع إبقاء تطويره «عملية مستمرة». وأقرّت «المنظمة الأوروبية للتعاون الاقتصادي والتنمية» أخيراً بأفضلية نظام التدريب والتعليم المزدوج الألماني على غيره من الأنظمة المهنية للشباب. وقال الموظف في قسم التعليم في المنظمة، سيمون فيلد «الدراسات التي أجريت أثبتت أفضلية التدريب النظري والعملي في سوق العمل على المدارس المهنية البحتة»، مضيفاً أن «ما أثبت نجاحه في ألمانيا يتوجب نقله لمساعدة شباب الدول الأوروبية الأخرى». وأكدت وزارة التعليم والبحوث الألمانية أن الاهتمام بالنظام المزدوج في ألمانيا «تنامى خلال الأزمة المالية التي تعيشها أوروبا والبطالة العالية بين الشباب فيها». ومعروف أن ست دول أوروبية هي اليونان واسبانيا والبرتغال، وإيطاليا وسلوفاكيا ولاتفيا، إتفقت مع ألمانيا في قمة عقدتها أواخر 2012 على برنامج لمكافحة البطالة بين الشباب يتضمّن عشر نقاط تهدف إلى دعم التدريب العملي لهم. وافتتح لاحقاً مركز لهذا الغرض في ألمانيا وعيّن رئيس له. ومع ذلك انتقد اتحاد النقابات العمالية الألمانية التباطؤ الحاصل في الدول المعنية وحضّ على اتخاذ خطوات سريعة لمكافحة بطالة الشباب، ومنها تقاعس نقابات أرباب العمل عن تحمل المسؤولية في هذا المجال. ورأت الموظفة في «المركز الدولي للتدريب المهني» التابع ل «الأونسكو»، ليزا فرايبورغ «أن الإقرار بأفضلية النظام المزدوج أمر سهل، لكن تنفيذه صعب ومعقد». ونفى رئيس المركز فيشرت «إمكان تصدير» النظام المزدوج كما هو إلى الدول الأخرى مشدداً على ضرورة أخذ خصائص كل دولة في الاعتبار» وتابع «نحن لا نصدّر، ولكننا نعاون ونقدّم المشورة لمن يرغب». الأجيال الشابة ونظراً إلى أن أعمار أكثر من نصف سكان الدول العربية تحت سن ال25 سنة، تواجه الدول العربية تحديات تأمين فرص عمل للأجيال الشابة. ويستدعي هذا الأمر الاطلاع على التجربة الألمانية الناجحة في هذا المجال، حيث يمكن للمؤسسات والشركات العربية العاملة في قطاع التعليم، تعزيز صلات التعاون مع المؤسسات والشركات الألمانية، والاستفادة من خبراتها. ورحّب مدير مؤسسة «أيموف» التابعة لوزارة التعليم الاتحادية، ماركوس ميلفا، لدى افتتاحه «الملتقى الخامس للتدريب المزدوج في برلين»، بالمسابقة الدولية التي تشارك الإمارات فيها كأول بلد عربي، حيث أظهر المشاركون معارفهم وقدراتهم المهنية المتعددة. وبعد أن شدد على أهمية رفع مستوى برامج التدريب والتعليم المهنيين في الدول العربية، دعا ميلفا إلى تعزيز التعاون مع الوزارة وغرفة التجارة والصناعة العربية - الألمانية في برلين، اللتين تنظمان الملتقى سنوياً للتعريف بالأهمية الاقتصادية والمعرفية للنظام المزدوج.