أعلنت هيئة حقوق الإنسان مطلع شهر كانون الثاني (يناير) الجاري، وعلى لسان نائب رئيسها الدكتور زيد آل حسين، عن بدء اجتماعها الأول مع ما لا يقل عن 12 جهة حكومية، بغرض الإعداد لتقرير المملكة الثاني عن حقوق الإنسان فيها، للاستعراض الدوري الشامل لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، ويعد هذا الاستعراض أحد أبرز وأحدث آليات المجلس للتحقق من مدى التزام ووفاء الدول الأعضاء بالتعهدات في مجال حقوق الإنسان، إذ تقوم كل دولة بتقديم تقرير شامل مرة كل أربعة أعوام، يتم على ضوئه مناقشة والمراجعة في جلسة عامة من أعضاء المجلس وبحضور ومشاركة الكثير من المؤسسات الحقوقية والمدنية خلال ساعتين من الحوار التفاعلي، ويكون بموازاة تقرير الدولة الرسمي تقريران، أحدهما من المفوضية السامية لحقوق الإنسان، والآخر من المنظمات الحقوقية المعروفة. وقد أشار الحسين إلى أن مناقشة تقرير المملكة الأول خلص إلى 70 توصية تم تقديمها من الدول الأعضاء، قبلت المملكة النظر في 53 توصية منها، ورفضت الالتزام ب18 توصية، إما لتعارضها مع الشريعة الإسلامية، أو لأنها تتعارض ومبدأ السيادة الوطنية الذي نص عليه ميثاق الأممالمتحدة، ولفت إلى أن التقرير الثاني سيتركز على تلك التوصيات وما تم بشأنها من أنظمة وإجراءات، وهنا لا بد لنا من العودة إلى الوراء، وتحديداً شباط (فبراير) 2009، حين تم استعراض أول تقرير رسمي عن حقوق الإنسان في المملكة من 26 صفحة، وذلك عبر وفد ضم قرابة 36 شخصاً، بينهم عدد من السيدات، وتكون التقرير من ذكر الإطار النظامي والمؤسسي لحقوق الإنسان في المملكة، وذكر المنجزات والمعوقات، وقد تناول عدد من المهتمين بالداخل حينها تحليل التقرير والإشارة إلى أهم الملاحظات عليه من ناحية تقديمه لمعلومات مبتورة، أو متناقضة مع الواقع، أو مبالغ فيها، وكذلك الإسهاب الطويل الذي صاحب كلمة الوفد حول الخصوصية السعودية من الناحية الدينية والثقافية والأعراف والتقاليد، بدعوى أن ذلك يساعد أكثر في فهم ما جاء بالتقرير. على كل حال قد لا يكون من المهم كثيراً العودة بالحديث الآن حول تلك التفاصيل، فكل قارئ يمكنه العودة إلى تلك التقارير وقراءتها بتأمل، ولكن ما يهمنا الآن هو التطرق لأبرز تلك التوصيات التي تقدمت بها الدول الأعضاء وتم قبولها من الوفد، ويجري، وعلى ضوئها حالياً، إعداد التقرير الثاني الذي سيتم عرضه في الفترة القريبة المقبلة لتوضيح ما تم بشأنها من إجراءات أو منجزات في الواقع، فمن أهم تلك التوصيات: دعوة عدد من الدول المملكة للتصديق على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والحقوق الاجتماعية والاقتصادية، اللذين يعتبران نقلة في الحقوق من مجرد المبادئ والتعزيز إلى الحماية الدولية، ومن الاختيار إلى الإلزام القانوني والمراقبة لها، وكذلك تعديل التشريعات المحلية لتكون متوافقة مع المعايير الواردة في الصكوك الدولية لحقوق الإنسان، ومن التوصيات التي أكدت عليها كثير من الدول إلغاء التشريعات والممارسات التي تميز ضد المرأة بما في ذلك نظام ولاية الرجل، والسماح لها بحرية التنقل، وتعديل الأحكام القانونية بما يضمن للمرأة المشاركة الكاملة في المجتمع على قدم المساواة مع الرجل، وفي المقابل كان رد التقرير بقبول هذه التوصية، وفقاً لما تم التوقيع عليه في اتفاق القضاء على التمييز ضد المرأة، وذكر أن المساواة بين المرأة والرجل مصونة في المملكة، وفقاً لأحكام الشريعة التي تتماشى مع المبادئ العامة لقوانين حقوق الإنسان الدولية، وذهب إلى عدم وجود متطلبات نظامية تنص على اشتراط موافقة لحصول المرأة على حقوقها، وأنها تمارس جميع شؤونها باستقلالية تامة وتتمتع بأهليتها القانونية! وأن مفهوم القوامة، بحسب المفهوم الشرعي، ليس اشتراطاً قانونياً بل مسألة تعبدية تعود للشخص لتحديد مفهومه، وفقاً لمرجعياته الشرعية! ومن التوصيات التعجيل بسن قانون تكوين منظمات المجتمع المدني لتمكينها من العمل باستقلالية تامة، وأن تكفل للقائمين عليها حقهم في حرية التعبير، ووضع وتنفيذ آلية قانونية وإجرائية لرصد حالات العقاب البدني للسجناء، تماشياً مع ما تقتضيه المعاهدات الدولية، والسماح لمنظمات حقوق الإنسان بزيارة المملكة، إلى غير ذلك من التوصيات التي تم قبولها والنظر فيها. مضى أربعة أعوام، قد يدرك الكثيرون الإجابة عن تلك التوصيات، وما تم بشأنها على أرض الواقع، وهنا يجب أن يكون في حسبان المعدين للتقرير أن العالم من حولنا، ومنذ عرض التقرير السابق، بات على دراية بما يجري لدينا، وأن المعلومة لم تعد حكراً على أحد، فكيف هي الحال في الوقت الراهن، وفي ظل الوعي والاهتمام والتفاعل المتزايد من الكثيرين في الداخل بقضايا حقوق الإنسان! ختاماً: أرى لزاماً تذكير هيئة حقوق الإنسان بقضية على عجل، أنه وفي صدد إعداد هيئة حقوق الإنسان لا يزال الكثيرون من المهتمين يتساءلون من حين لآخر عن الهيئة التي رصد لها في آخر موازنة مبلغ 116 مليون ريال، ومضى حتى الآن أكثر من خمسة أعوام على إنشائها ولم تتقدم بتقرير سنوي يوضح منجزاتها في الداخل؟! * كاتب سعودي. [email protected] hasansalm@