كيف تبدو الدورة ال 24 لمجلس وزراء البيئة العرب، في عين من يسعى إلى تقديم نقدٍ بناء لأعمالها، بهدف الدفع قُدُماً بمسار قضايا البيئة في العالم العَرَبيّ؟ بداية، تجدر ملاحظة أن أغلب الدورات السابقة لوزراء البيئة العرب اتّسَمَت بوقوع أعمالها تحت سيطرة الروتين الرتيب والآليات النمطية التي ترسّخت إلى حدّ التكرار. والأرجح أن دورة الانعقاد الأخيرة التي حملت الرقم 24 وترأسها العراق، لم تخرج عن هذا الإطار. في هذه الدورة، تمثّل العراق بالمهندس سركون لازار صليوا وزير البيئة، وسُجّل حضور الأمين العام للجامعة العَرَبيّة نبيل العَرَبيّ ونائب رئيس وزراء العراق حسين الشهرستاني ورئيس المكتب التنفيذي لمجلس الوزراء العرب المَسؤولين عن شؤون البيئة الأمير تركي بن ناصر بن عبد العزيز والأمين العام المساعد لجامعة الدول العَرَبيّة محمد بن إبراهيم التويجرى، إضافة إلى مشاركة ممثلين عن 20 دولة وعدد من المُنَظّمات المتخصّصة ومُنَظّمات المجتمع المدني العَرَبيّة المَعنيّة بالبيئة. وأدّت الأخيرة دوراً بارزاً في هذه الدورة. توقّعات بقِيَت مُعلّقّة لم تكن الدورة بمنأى عن العوامل السلبية الخارجة عن إرادة غالبية الأعضاء، على رغم إشادة الجميع بحسن تنظيمها وإدارتها وشيوع أجواء الاحترام للآراء والمقترحات كافة. ففي مرحلة التحضير للدورة، تكرّرت سلبيات معروفة، في مقدمتها انعكاس الخلافات السياسية بين الحكومات العَرَبيّة سلباً على أعمال الدورة. إذ قاطعت الدورة السعودية وقطر. واعتذرت تونس وسورية ولبنان عن عدم الحضور. واقتصرت المشاركة على مستوى الوزراء بقرابة خمس دول. واقترنت المُقاطعة والغياب مع تغطية إعلامية ضعيفة، بل تجاهلت كبريات وسائل الإعلام العَرَبيّة المرئية والمقروءة أعمال الدورة ونتائجها. وبقيت المشكلات البيئية الساخنة في الوطن العَرَبيّ، بعيدة من المعالجات الجديّة عمليّاً. إذ كان من المقرّر أن تُناقش الدورة الاستراتيجية العَرَبيّة لمواجهة تحديات البيئة عَرَبيّاً وتعزيز العمل البيئي العَرَبيّ الجماعي والارتقاء بمستوياته بما يحقّق خفض التلوّث وتبني سياسات سليمة في إدارة البيئة تطبق مفاهيم التنمية المُستَدامة. وكان متوقّعاً متابعة تنفيذ قرارات القمم العَرَبيّة في التنمية اقتصادياً واجتماعياً، ومتابعة تنفيذ مقرّرات «القمة العالمية للتنمية المُستَدامة» و»مبادرة التنمية المُستَدامة في المنطقة العَرَبيّة» و»مؤتمر الأممالمتحدة للتنمية المُستَدامة (ريو+20)»، إضافة إلى عرض نشاطات المُنَظّمات العَرَبيّة المتخصصة والمُنَظّمات الإقليمية والدولية ومؤسسات المجتمع المدني المهتمّة بالبيئة وغيرها. كما أعلن مسؤول في جامعة الدول العَرَبيّة أن الدورة تعتزم مناقشة القرارات الصادرة عن الدورة ال 23 للمجلس، ودراسة خريطة طريق لترجمة نتائج مؤتمر ريو+20، بهدف صوغ برنامج تنفيذي يطبّق عربياً وتُرفَع نتائجه إلى لجنة الأممالمتحدة للتنمية المُستَدامة في دورتها المقبلة في نيويورك 2013، إضافة إلى التشديد على دور اللجان الوطنية للتنمية المُستَدامة في الدول العربية. وساد توقّع بأن تكلّف الأمانة الفنيّة في مجلس وزراء البيئة، متابعة رصد التلوّث الإشعاعي في المناطق الحدوديّة مع إسرائيل وتأثيراتها في المنطقة العَرَبيّة وبيئتها، إلى جانب استكمال إعداد دراسة حول مخاطر مفاعل «بوشهر» الإيراني والمستويات الإشعاعية التي تنبعث منه وتأثيراتها في المنطقة العربية، إضافة إلى التنسيق مع مُنَظّمة الصحة العالمية والمُنَظّمات الدولية في هذه الأمور. وكان متوقّعاً أن تناقش الدورة أيضاً نشاطات المُنَظّمات العَرَبيّة المتخصصة والمُنَظّمات الإقليمية والدولية ومؤسسات المجتمع المدني وكذلك الاتفاقيات البيئية الدولية المَعنيّة بالتصحّر والتنوع البيولوجي والمواد الكيماوية والنفايات الخطيرة، إضافة إلى نقاش مدى تنفيذ اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة التصحّر في المنطقة العَرَبيّة. وتوقّع كثيرون أن تتناول الدورة سُبُل تقليل الفجوة بين أصحاب المعرفة العلمية ومُتّخذي القرار في قضايا التنمية المُستَدامة، وكذلك مناقشة اقتراح مصري بتأسيس معهد لدراسات البيئة وبحوثها. حُسنُ التنظيم لا يكفي في الجلسة الافتتاحية للدورة، ألقى جمال الدين جاد الله، ممثّل الأمين العام للجامعة العربية، كلمة جاء فيها: «أن مجلس وزراء البيئة العرب هو من أنجح المجالس العَرَبيّة. إذ استطاع أن يطوّر إداءه بشكل مستمر، خصوصاً الآلية العَرَبيّة في البيئة والتنمية المُستَدامة». وأعلن الشهرستاني أن «الاجتماع يشكل انطلاقة تعاونية سليمة في إطار متابعة الوضع البيئي وإصلاحه». ودعا الدول العَرَبيّة إلى العمل في إطار جامعة الدول العَرَبيّة، بهدف وضع خطط استراتيجية في التعامل مع التأثيرات المناخية والملوّثات البيئية وغيرها. ورحب الشهرستاني بالمقترح المصري لتأسيس معهد لدراسات البيئة وبحوثها، مُبدياً استعداد العراق للمساهمة فيه، بل استضافته، على أن تشارك فيه الدول العَرَبيّة بباحثين ومتخصّصين. ولفت وزير البيئة العراقية صليوا إلى وجود مخاطر بيئية تهدّد الأرض، كانبعاثات الغازات المُلوّثة للهواء، وتراكم الفضلات المُلوّثة المياه وغيرها. ودعا إلى بناء استراتيجية عَرَبيّة لمواجهة المُشكلات البيئية التي تواجه الوطن العَرَبيّ، وتطوير العمل البيئي العَرَبيّ، واستخدام التكنولوجيا الصديقة للبيئة، والبحث عن أفضل الوسائل التي من شأنِها تعزيز العمل البيئي العَرَبيّ المشترك. وقبيل انعقاد الدورة، أعلن الوزير صليوا أن عدداً من دول مجلس التعاون الخليجي ترغب في التعاون مع العراق في معالجة مشاكل البيئة والتلوث. ودَعا وزير البيئة المصري إلى ضرورة الانتقال الحاسم والمُحدّد باتجاه اقتصاد أخضر مع استخدام كفوء لموارد البيئة، مع خلق فرص عمل أخضر، مُطالباً بضرورة تكثيف الجهود العربية المشتركة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة. وشدّد على أهمية توافق الاتفاقية الدولية المرتقبة الخاصة بالزئبق، مع الحاجات العَرَبيّة، وضرورة الالتزام عَرَبيّاً باتفاقية مكافحة التصحّر، والعمل على استكمال الحزام الأخضر الساحلي على شاطئ البحر المتوسط، معتبراً أن بلورة حِزام أخضر يحيط بالصحراء الأفريقية الكبرى هو أحد الآمال العَرَبيّة والأفريقية. وطالب الدول العَرَبيّة بالتصديق على مشروع الاتحاد العربي للمحميّات الطبيعية. ... لكن الختام لم يكن مِسكاً لم يكن ختامها مِسكاً! تركت الدورة الرابعة والعشرون لوزراء البيئة العرب هذا الانطباع، عند انتهائها، إذ جاءت نتائجها مخيبة للآمال. لم يُعلَن بلاغٌ ختامي عنها. وأُعلِن عن قراراتها عبر بيانٍ لوزارة البيئة العراقية. وتضمّنت القرارات تكليف الأمانة الفنية للمجلس المشاركة في نشاطات المُنظّمات العربية والإقليمية والدولية ومؤسسات المجتمع المدني، وإعداد تقرير بهذه النشاطات لعرضه على الدورة المقبلة للمجلس. كما كُلّفت الأمانة نفسها المشاركة في مؤتمرات البيئة عربياً ودولياً، بهدف الاتصال مع سكريتاريات المؤتمرات وعقد اجتماعات تنسيقية للمجموعة العربية، ثم إعداد تقارير عنها كي ترفع إلى المجلس أيضاً. وفوّض المجلس الفِرق العربية المعنية متابعة الاتفاقيات الدولية عن البيئة، عقد اجتماعات تحضيرية لمؤتمرات عن تلك الاتفاقيات بهدف تحديد موقف عربي من موضوعاتها. وأوصى المجلس أيضاً بدعوة المُنظّمات العربية والإقليمية والدولية ومؤسسات المجتمع المدني، بأن تُنسّق نشاطاتها في العام الجاري مع المجلس. كما جدّد الطلب إلى الدول العربية التي لم تُطبّق الحِزْمَة العربية المعتمدة لمؤشرات البيئة والتنمية المستدامة، أن تتنبّه إلى ضرورة تطبيق هذه الحِزمَة، وإعداد تقرير عن هذا الشأن كي يناقشه المجلس. وتجنّب البيان مراجعة القرارات التي صدرت عن الدورة السابقة للمجلس. وكذلك لم ينتج المؤتمر خريطة طريق لتطبيق مقرارات مؤتمر «ريو+20» وتوصياته. وأثارت هذه الأمور، إضافة الى عدم صدور قرارات كانت متوقعة (أنظر المقال الرئيسي)، أسئلة عدّة عن أسباب هذه «الغيابات» ودلالاتها. في ضوء الممارسة الراهنة، ثمة من يعتقد بضرورة عقد دورات مجلس وزراء البيئة العرب كل سنتين، مع تغيير آلية عملها وطُرُق تنفيذ مقرّراتها، بهدف تطوير أداء المجلس وإيلاء اهتمام أكبر للعمل المشترك والتعاون العملي في إيجاد حلول لمشاكل البيئة. وربما كان مفيداً تحديد جدول عمل كل دورة مع إعطاء أولوية للمشاكل «الساخنة» بيئياً، إضافة الى إصدار إعلان واضح عن كل دورة للمجلس. واستطراداً، لعل من المفيد اعتماد مبدأ تكليف لجان علمية متخصّصة دراسة تلك المشاكل مع تحديد المُعالجات التي تكفل التعامل معها بطريقة مجدية وضمن مهل زمنية مُحدّدة. وتؤدي هذه الأمور الى تمكين المجلس من العمل بشكل فعّال وكفؤ، وتقويم مسار التعامل مع البيئة ومشكلاتها ومتغيّراتها. * أكاديمي عراقي