يمتد ليل الشارع الرئيسي في مدينة عاليه، «عروس المصايف» اللبنانية، ليلامس خيوط الفجر الأولى. وفيما تشعر أنك في مدينة من مدن دول الخليج العربي الشقيقة، نظراً إلى كثرة الوافدين العرب من دول مجلس التعاون الخليجي... تصدح الموسيقى المنبعثة من داخل عشرات المطاعم وتنتشر المعارض من رسم وأشغال يدوية وحرف و «بسطات» الرصيف الضيّق، فيما تُقلّ عربات الخيل البيضاء الزائرين وسط الطريق العام لتمرّ ببطء أمام المعرض الحرفي و «سمبوزيوم» النحت الذي افترشت تماثيله الساحات وأرصفة المدينة الجبلية الوادعة. ينتظر الجميع ليالي عاليه الصاخبة التي تصل الى ذروتها خلال العرض السنوي لمجسّمات السيارات، والتي يرمز بعضها الى دول العالم، والذي يمتد على مدى ثلاثة أيام متتالية. وسط هذه «المعمعة» الموسيقية - الفنية – الشارعية، يلفّ الهدوء مسرح «القصر» الواقع في «الحارة التحتانية» من عاليه، والذي يقصده جمهور هادئ ينقّب في أوراق التاريخ علّه يجد فناً من نوع آخر يشتاق إليه أحياناً في هذا الزمن اللاهث الخطى. هنا ينتحي الملحّن والفنان اللبناني وجدي شيا جانباً ليقدّم مسرحيته الغنائية الراقصة الراقية «أميرة القصر»، فيعود ليقلّب صفحات التاريخ الغابر بين أمراء وسلاطين الزمان ومستشاريهم من الشعراء والوزراء ... من دون نسيان الجواري والخدم والحاشية. ينام السلطان نومة ملوكية تطول لفترة غير طبيعية، ولا يجرؤ أحد على إيقاظه، فتخرب أحوال السلطنة لتأتيه حورية في المنام فيستفيق طالباً التفتيش عليها للزواج منها. وهنا تظهر الحورية الجميلة، لكنها تتفاجأ من معاملة السلطان القاسية وطباعه البعيدة عن العاطفة والودّ، فيحاول المستشار استمالتها. لكن القصة تنتهي بانتصار السلطان وتغيير طباعه بتأثير الحبّ والوئام فيتزوج الحورية ويعمّ الفرح أرجاء المملكة. لعل القصة عادية ولا تختلف عن القصص التي نقرأها في حكايات ألف ليلة وليلة. لكن طريقة تقديم الفقرات والحوارات الغنائية والرقصات الفولكلورية والنص الجميل المقفى والحوار الموفق، تطبع المسرحية بطابع رائع يجعلك تصفق وتصفق... لا بلّ تطرب وتطلق العنان لزاوية دفينة في قلبك... خاصة مع اللوحات الراقصة على ألحان «لما بدا يتسنى» و «الديك بينده كوكو كوكو»و «حوّل يا غنّام»... وغيرها. يأتي دور الفنان إيلي مسعد ليضفي على الحوار شيئاً من الفكاهة والطرافة، فيما يبرع الفنان العراقي همام، خريج برنامج «ستار كلوب»، والواعدة أوليفيا (الحورية) في أداء الحوارات الغنائية مع لوحات راقصة موفقة. وأخيراً تأخذنا «أميرة القصر» الى مشهد جديد مغاير لما نشهده في مهرجاناتنا وتظاهراتنا الفنية الكثيرة، إذ تشكّل «فانتازيا» تاريخية تساهم في إغناء المشهد الثقافي والتاريخي وهذا ما أراده الفنان وجدي شيّا وما حققه من خلال «أميرته» الجميلة.