عكست تحركات مبعوث الأممالمتحدة إلى بغداد مارتن كوبلر قلق المنظمة على الأوضاع في العراق، في ظل تصاعد الحراك الشعبي المناهض للحكومة وتفاقم الأزمة السياسية بعد إعلان كتلة «العراقية» مقاطعة جلسات مجلس الوزراء، مطالبة كتلة «التحالف الوطني» (الشيعية) بإيجاد بديل للحكومة. وأعلن كوبلر امس، بعد زيارته محافظتي كركوك والأنبار التي تعد معقل انطلاق التظاهرات المناهضة للحكومة منذ أربعة أسابيع، قلق الأممالمتحدة البالغ من الأزمة السياسية في البلاد، وأكد أن المنظمة الدولية «لا ترى نيات حقيقية لتجاوز المشاكل». إلى ذلك، أكد مكتب رئيس البرلمان أسامة النجيفي أنه استقبل اليوم (امس) كوبلر الذي دعا إلى ضرورة «الخروج من كل هذه الأزمات من خلال اللجوء إلى الحوار العاجل بين كل الكتل السياسية». ودعا النجيفي الأممالمتحدة إلى «بذل مزيد من الجهود من أجل تطويق الأزمة، واحترام حقوق المتظاهرين والإسراع في تلبية مطالبهم لأنها حقوق مشروعة وقانونية». وانتقد النجيفي عمل اللجان التي شكلتها الحكومة للنظر في مطالب المتظاهرين وشدد على «ضرورة أن تقدم الحلول الجذرية والواقعية للأزمة وعدم الاكتفاء بالحلول الجزئية»، وأعرب عن قلقه من «انحراف جزء من السلطة القضائية في العراق وتزايد حالات التعذيب في السجون». وزار وفد دولي برئاسة كوبلر امس محافظة الأنبار والتقى عدداً من المسؤولين في الحكومة المحلية وشيوخ عشائر، بينهم عضو مجلس المحافظة فيصل العيساوي ورئيس مؤتمر صحوة العراق احمد أبو ريشة والنائب عن كتلة «العراقية» احمد العلواني وعدد من طلاب كلية المعارف الذين يشاركون في تظاهرات المدينة. وأعلن الموقع الإلكتروني الرئيس لمفتي أهل السنة في العراق الشيخ عبد الملك السعدي امس انه التقى كوبلر في 14 الشهر الجاري في مقر إقامته في عمان، وأضاف أن اللقاء موثق بالصوت والصورة. وأوضح مكتب السعدي في بيان امس أن كوبلر قال للسعدي «سمعت الكثير من الأمور الطيبة عنكم من أوساط عدة، والجميع يكن لكم كل الاحترام، فبالنسبة إلي من المهم أن أستمع إلى رأيكم في الأوضاع، بخاصة أن الكثير من الناس يستمعون إليكم، وأريد أن أستمع إلى نصيحتكم للأمم المتحدة ماذا يمكن أن تفعل لأننا بصراحة قلقون». وأوضح البيان أن السعدي أجاب: «لم يبق شيء خاف في ما يجري في العراق،، وأصبح الواقع هو الذي يعبر عن الحالة فالحكومة العراقية موجهه من قبل إيران، وتعمل على أساس تنفيذ رغبتها ومخططاتها». وأضاف أن «الشعب العراقي متعايش بعربه وأكراده وتركمانه، وبسنته وشيعته ومسيحييه، ثم جاء الاحتلال البغيض ليفرق هذه الوحدة ويشعل الفتنة بزرع ثقافة التقسيم، وسلّم المحتل العراق بعد ذلك على طبق من ذهب إلى إيران التي تعزز هذه التفرقة بالحكم الطائفي من قبل أتباعها في وهم لا يمثلون الشيعة في العراق إطلاقاً». وزاد «تحقيقاً لهذه التفرقة والفتنة بين أفراد الشعب الواحد من قبل الحكومة العراقية، نهجت منهج الضغط والاضطهاد على طائفة معينة، وذلك بالتهميش والاعتقالات بقوانين جائرة وأساليب ظالمة متنوعة من أخذ النساء بدلاً من الرجال واحتجاز الأبرياء بعد ثبوت براءتهم ما يتنافى وحقوق الإنسان ومن عدم التوازن في المؤسسات المدنية والعسكرية، وغير ذلك، سعياً إلى إلغاء هذه الطائفة ونشر طائفة أخرى على حسابها». وأشار إلى أن «المرأة تودع في السجون من دون متابعة ولا رعاية بل تهان أو تضرب أو تغتصب». وزاد البيان «لدينا عتب على الأممالمتحدة لسكوتها على هذا كله وعلى ما يجرى من ظلم للشعب العراقي، ونحملها المسؤولية، ونطلب منكم أن تنقلوا هذه الصورة للمجتمع الدولي، والصورة واضحة لدى القاصي والداني والصغير والكبير من دون أن أتكلم، والمفروض على الأممالمتحدة أن تتدخل لإنقاذ أبناء الشعب العراقي». ونقل البيان عن كوبلر قوله: «في الوقت الحالي الأممالمتحدة ليس لديها جنود على الأرض، ولكن تتقدم بالكلمة من الأطراف، ومن أجل الحفاظ على المسافة الواحدة المتساوية وبإمكاننا نقل رسائل بين الأطراف مع إصرارنا على احترام حقوق الإنسان وحق التظاهر، وعلى الحكومة أن لا تبالغ في الرد على ذلك، مع إصرارنا على بقاء التظاهر والاعتصام ضمن القانون». وأضاف: «طلبت من الجميع إن كان بإمكان الأممالمتحدة أن تكون شاهداً على ما يتم الاتفاق عليه، فإذا تم الاتفاق وقام أحد الأطراف بانتهاكه أو لم ينفِّذه سأتحدث بشكل علني في هذا الأمر». وأوضح البيان أن السعدي استنكر خلال اللقاء ما قاله كوبلر لوسائل الإعلام من أنَّ بعض المطالب غير قانونية، فأجاب أنه لم يقل ذلك بل قال إن بعض المطالب غير واقعي، وقصد بذلك أنها تحتاج إلى وقت في التنفيذ، فقال له السعدي: «كان عليك إذن أن تقول غير فورية ولا تقول غير واقعية». وعن إمكان وجود خطوات عملية تساعد في تهدئة الشارع قال السعدي إن «الخطوة الوحيدة هي تنفيذ المطالب وتحقيقها على أرض الواقع بوجود مراقبين دوليين، فلا أنا ولا غيري قادر على تهدئة الشارع». من جهة أخرى، اعلن مكتب نائب رئيس الوزراء القيادي في ائتلاف «العراقية» صالح المطلك امس أن «نواب ووزراء القائمة العراقية عقدوا اجتماعاً لمناقشة المشهد السياسي وتداعيات التظاهرات التي تشهدها المدن والمحافظات العراقية، إضافة إلى تقويم العلاقة مع الكتل السياسية الأخرى واتخاذ موقف من المشاركة في اجتماعات مجلس الوزراء». وأضاف المكتب أن «وزراء القائمة قرروا مقاطعة جلسات مجلس الوزراء»، وعزا السبب إلى «رفض سياسة الإقصاء والتهميش وتجاهل مطالب الشارع». وأكد المكتب أن «الوزراء سيستمرون في تصريف الأعمال اليومية لوزاراتهم بغية عدم التأثير سلباً في الخدمات». واتهم القيادي في القائمة «العراقية» حامد المطلك رئيس الحكومة نوري المالكي ب «التسويف» في تلبية مطالب المتظاهرين، ودعا كتلتي «التحالف الوطني» و»ائتلاف دولة القانون» إلى أختيار حكومة بديلة. ولكن مصادر سياسية عزت قرار «العراقية» مقاطعة الحكومة واللجان المشكلة لتنفيذ مطالب المتظاهرين إلى عدم تأييد الشيخ السعدي استمرار هذه المفاوضات ودعا إلى تشكيل لجان من المتظاهرين للتفاوض. وتواصلت امس التظاهرات المناهضة للحكومة في عدد من المدن وأفاد الناطق باسم مجلس شيوخ عشائر الأنبار احمد الساجر «الحياة» بأن «اجتماعاً عقد اليوم (امس) في ساحة التظاهرات في أطراف المدينة ضم شيوخ عشائر من الأنبار والموصل وصلاح الدين». ولفت إلى أن «الاجتماع اكد الاستمرار في التظاهر إلى حين تلبية مطالب المحتجين من دون استثناء»، وأوضح أن «تظاهرة الجمعة المقبلة ستكون واسعة وتحمل عنوان جمعة لا تراجع».