ظلت الشعوب العربية لسنوات على علاقة متوترة مع القمم العربية، تنالها بالسخرية والتندر على طقوسها ونتائجها غير المرئية. وفي ما بعد أحداث 11 سبتمبر بدأت المفاصلة الحقيقية، فأصبح نصف الشعوب العربية يمجّد «القمة» والنصف الآخر يمجّد «القاعدة»! بعد مرور سنين طويلة من التطلعات، ما زال الإنسان العربي «الموعود» تائهاً، فلا القمة وفت بوعودها الإصلاحية ولا القاعدة حققت الفردوس الموعود. الآن، يجري تحوّل جذري في المعادلة الثنائية، إذ بدأت القمة تستشعر أثر الفجوة التي بينها وبين الشعوب العربية القابعة في القاع، الفجوة التي استغلتها «القاعدة» الأقرب إلى أهل القاع من أهل «القمة». الآن بدأ الاهتمام ينتقل من قمم الخطابات السياسية إلى قمم القرارات التنموية، أي أن القمم العربية تكاد أخيراً تحذو حذو قمم الاتحاد الأوروبي و «آسيان»، التي تناقش تفاصيل القضايا التي تنشغل بها الشعوب لا القضايا التي تشغل القادة. الربيع العربي لم يكن غائباً عن قمة الرياض التنموية، أول من أمس. حضر من خلال وجود بعض القادة العرب الذين جاء بهم الربيع العربي من القاع إلى القمة، وحضر عبر التصريح الاستباقي لوزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل أثناء اللقاء التحضيري للقمة حين قال: إن تجاهل طموحات الشعوب وإغفال الجوانب التنموية هي مسببات الربيع العربي. بهذا التصريح المستنير نكون قد انتقلنا بالفعل من أزمة التراشق مع الربيع العربي ووصفه تندّراً بالصيف اللاهب أو الشتاء الصاقع إلى مرحلة أكثر هدوءاً وتقدماً في فهم مسببات «الربيع العربي» واستيعاب دوافعه، والإدراك بأن الشعوب تبحث دوماً عن ربيعها التنموي والمعيشي، وإذا لم يبادر القادة العرب إلى صنع الربيع لشعوبهم فلا يلوموا الشعوب إذا لجأت إلى صنع ربيعها بنفسها مهما كان باهظاً أو مشوهاً. القمة، لم يتفق العرب على تسميتها بعد فالبعض يسميها تنموية وآخرون يسمونها اقتصادية وأحياناً اقتصادية اجتماعية وقلة يسمونها اجتماعية ثقافية (!) وليت الجامعة العربية توحّد مسماها تحت اسم (القمة التنموية)، فالتنمية تشمل: الشؤون الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. توحيد المسمى مطلب لكنه لن يكون إنجازاً. الإنجاز هو في توحيد الأهداف والإجراءات. وإذا لم يتحقق هذا فسنكون فقط قد انتقلنا من قمم التراشق بالخطابات إلى قمم التراشق بالقرارات! * كاتب سعودي [email protected] Twitter | @ziadaldrees