طوى المنتخب السعودي لكرة القدم صفحة جديدة من التخبط والإحباط أضيفت إلى صفحات كثيرة من الفشل الذي يعانيه منذ أعوام، وشكلت مساراً انحدارياً خطراً لا يظهر في الأفق ما يوقفه ويعيد البسمة إلى وجوه آلاف بل ملايين السعوديين الذين يعشقون هذه اللعبة. «الأخضر» السعودي كان الخاسر الأكبر في «خليجي 21» في البحرين، بسقوطه أمام «الأزرق» الكويتي في «كلاسيكو» الكرة الخليجية بهدف للمهاجم يوسف ناصر كان كافياً لاتخاذ الإدارة السعودية قراراً سريعاً بمغادرة اللاعبين من دون راحة وبعد أقل من ساعتين على نهاية المباراة عن طريق البر، عبر جسر الملك فهد الذي يربط البحرين بالمنطقة الشرقية في السعودية. بدا الحزن على وجوه لاعبي المنتخب السعودي بعد المباراة، وأيضاً لدى مغادرتهم في الحافلة الخاصة بهم من دون الإدلاء بأية تصريحات، ولم يصدر عن البعثة الإدارية أي تفسير لهذا الإجراء الذي كان محل انتقاد من المتابعين الرياضيين. ليس المنتخب السعودي وحده الذي خرج من الدور الأول، إذ سبقه العماني الذي أحدث خروجه موجة غضب لدى جماهيره، وأيضاً القطري الذي تعرض إلى انتقادات قاسية جداً من لاعبين وإداريين ومدرب هو البرازيلي باولو أوتوري الذي أبقي في منصبه «لأن استحقاقات قريبة مقبلة على المنتخب». خروج المنتخب اليمني بثلاث هزائم لم يشكل مفاجأة، نظراً إلى فارق المستوى الفني، خصوصاً في مجموعته مع منتخبات السعودية والعراق والكويت. قرب المسافة بين السعودية والبحرين (نحو ثلاثة أرباع الساعة بالسيارة) ساعد في تدفق آلاف المشجعين السعوديين الذين كانوا يملأون معظم مدرجات الملعب، من الجنسين ومن الكبار والشباب والصغار، متشحين باللون الأخضر، حاملين الآمال الكبيرة بأن يستعيد المنتخب أمجاده بعد أعوام من الخيبة. حماسة الجماهير السعودية قبل انطلاق مباريات المنتخب كانت كبيرة جداً، وتفاعلها مع الهجمات الخطرة والهدفين في مرمى اليمن كان واضحاً، على رغم الرياح القوية التي ضربت البحرين في الأيام الماضية، لكن لحظات السكون والقلق خطفت معظم المشهد، فمنتخبهم لم يقنع، والمدرب الهولندي فرانك ريكارد بنظرهم لا يبالي، ولم يقدم شيئاً، ويجب أن يرحل. الصدمة الأولى كانت الخسارة بهدفين أمام العراق، علت معها الأصوات ضد ريكارد الذي لم يكترث للضغوط، ثم جاءت مباراة اليمن لتشكل متنفساً للسعوديين، إذ فازوا بهدفين رفعا سقف الآمال مجدداً قبل لقاء «الدربي» مع الكويت. صبت الترشيحات في مصلحة «الأخضر»، كونه يتفوق مهارياً على منافسه، لكن الأخير يعرف كيف يتعامل مع الضغوط وهو العالم ببواطن دورات الخليج وصاحب عشرة ألقاب فيها حتى الآن. تفوق السعوديون ميدانياً، لكن الكويتيين كانون أخطر وخطفوا هدفا باكراً حافظوا عليه، لتعم الأفراح بين الآلاف الذين حضروا بالطائرات من الكويت لتشجيع منتخبهم، والأتراح لدى الجمهور السعودي الذي كان يستحق أفضل مما قدمه المنتخب. اتجهت الأنظار إلى اجتماع بين رئيس الاتحاد السعودي الجديد أحمد عيد وريكارد بعد المباراة مباشرة، وترددت أنباء كثيرة عن اتجاه لإقالة المدرب، لكن عيد أكد لاحقاً أن ريكارد باقٍ في منصبه وليس هناك قرار بإقالته. ويتردد أيضاً احتمال اتخاذ قرار الإقالة قريباً. ليست المرة الأولى التي يمر فيها السعوديون بظروف مشابهة ويقررون إقالة المدرب أثناء البطولات أو بعدها مباشرة، وشواهد التاريخ كثيرة، وربما كانت الجماهير السعودية تنتظر قرار إقالة ريكارد لأنها لم تقتنع بقدراته، وتعتقد بأنه لم يقدم شيئاً للمنتخب طوال 18 شهراً تولى فيها المهمة. لكن غضب بعض الإعلاميين السعوديين دفعهم إلى التعليق على العقد الكبير لريكارد، وهو ما أكده عيد نفسه حين سئل عن احتمال إقالة المدرب بقوله: «عقده كبير، وسيبقى في منصبه»، فانتشرت أخبار تشير إلى أن العقد يبلغ نحو 9 ملايين دولار، مع بند جزائي يقدر بأكثر من 4 ملايين دولار في حال إقالته. وكان الاتحاد السعودي تعاقد مع ريكارد مطلع تموز (يوليو) 2011 لمدة ثلاثة أعوام لم يكشف عن مضمونه. ليس سراً أن المنتخب السعودي في مرحلة انعدام وزن منذ فترة طويلة، كيف لا وهو تراجع إلى الصفوف الخلفية على جميع الأصعدة الإقليمية والقارية والعالمية. وحمّل الكثير من المتابعين الخليجيين الاحتراف مسؤولية ما يحدث من تراجع في الكرة السعودية، كون الاحتراف لم يأتِ بالفائدة المرجوة للنهوض بالأداء العام للمنتخب. فبعد أن فرض ذاته واحداً من أفضل المنتخبات في القارة الآسيوية، حين أحرز كأس آسيا ثلاث مرات أعوام 1984 و1988 و1996، ووصل إلى النهائي ثلاث مرات أخرى أعوام 1992 و2000 و2007، وحين تأهل إلى نهائيات كأس العالم أربع مرات متتالية أعوام 1994 و1998 و2002 و2006، بات منتخباً عادياً يخرج من الأدوار الأولى للبطولات وللتصفيات. ويمكن اعتبار نهائي كأس آسيا عام 2007 في جاكرتا المحطة التي شكلت بداية الانحدار الفعلي ل «الأخضر» حين خسر أمام نظيره العراقي بهدف من دون مقابل، لأنه لم يحقق من حينها ما يرضي طموحات جمهوره ويواكب تاريخه الكبير. تواصلت النتائج غير المقنعة بين مد وجذر، إلى أن تلقى المنتخب السعودي ضربة قوية جداً في كأس آسيا في الدوحة مطلع 2011 حين ودّع من الدور الأول بخسارته أمام سورية والأردن واليابان، وأحدث ذلك زلزالاً كبيراً، تمثل بابتعاد رئيس الاتحاد السعودي في حينها الأمير سلطان بن فهد، وبإقالة المدرب البرتغالي جوزيه بيسيرو قبل إسناد المهمة إلى السعودي ناصر الجوهر. ليس هذا وحسب، بل إن المنتخب فشل للمرة الثانية على التوالي في التأهل إلى نهائيات كأس العالم بخروجه هذه المرة من الدور الثالث للتصفيات الآسيوية لمونديال البرازيل 2014، بعد أن كان سقط في الملحق الآسيوي أمام البحرين في تصفيات مونديال جنوب أفريقيا 2010. جاء التعاقد مع ريكارد لفترة طويلة لانتشال المنتخب وإعادة الثقة إلى اللاعبين والجمهور، وبعد 18 شهراً اختبر فيها المدرب الهولندي 73 لاعباً، واعتمد على سياسة التجديد بضخ دماء جديدة، كانت النتيجة أن «الأخضر» حصل على نقاط مباراته مع اليمن فقط، وسقط في اختباري العراق والكويت وودع من الدور الاول ل«خليجي 21» في البحرين، في مشهد متكرر للإخفاقات التي لم تجد طريقها إلى الحل حتى الآن. وانتقلت الأحداث إلى العاصمة السعودية الرياض، فبعد ساعتين من الخروج الحزين أعلن الرئيس العام لرعاية الشباب رئيس الاتحاد السعودي لكرة القدم السابق الأمير نواف بن فيصل عن تكفله بالأمور المالية كافة في حال رغب الاتحاد السعودي الجديد في إلغاء عقد ريكارد، وهو ما جعل الكثير من النقاد يتوقع عن قرب رحيل المدرب الهولندي.