بعد أقل من 3 أيام على توافق الكتل الرئيسة في قوى 8 آذار، ولا سيما «حزب الله» وحركة «أمل» على التلاقي مع اتفاق الأضداد المسيحيين على دعم مشروع «اللقاء الأرثوذكسي» لقانون الانتخاب، القاضي بانتخاب كل مذهب لنوابه، بدا أن هذا المشروع عاد ليترنّح، على رغم أن تأييد كل هذه الكتل المسيحية والشيعية له يؤمن له الأكثرية البرلمانية، أي أكثر من نصف أعضاء المجلس النيابي كي يصبح نافذاً. وتعزو أوساط نيابية وسياسية بارزة متعددة سبب ذلك الى عوامل عدة، أبرزها نية رئيس الجمهورية ميشال سليمان الطعن به، كما أوضح في حديثه أول من أمس حين قال عنه إنه مشروع غير دستوري. فطعن الرئيس به يدفع القوى التي أيدته، ولا سيما رئيس البرلمان نبيه بري، الى استخدام هذا الموقف حجة، لأن الطعن يعني أن إقراره في المجلس لا يعني أنه سيصبح نافذاً طالما أن رئيس الجمهورية حين يقدم مراجعة في شأنه أمام المجلس الدستوري المولج النظر في دستورية القوانين، لن يوقعه، في انتظار أن يدلي المجلس الدستوري برأيه في هذه المراجعة، وهذا يعني أيضاً أن الوقت الذي ستأخذه هذه العملية قد يزيد من مشكلة مداهمة الاستحقاق الدستوري المتعلق بالانتخابات، التي يفترض أن تجري في 9 حزيران (يونيو) المقبل، الوسطَ السياسي، الذي عليه التهيؤ للحملات الانتخابية خلال أسابيع قليلة مقبلة. أما العامل الآخر، فهو ما تسرب من معلومات عن لقاء بري رئيس «جبهة النضال الوطني» النيابية وليد جنبلاط ليل أول من أمس، الذي أبلغ خلاله الأول الثاني أن مشروع اللقاء الأرثوذكسي «لن يمشي»، وفق قول مصادر نيابية متعددة. ويتعامل نواب كتلة «المستقبل» و «جبهة النضال» على أن هذا المشروع لن يرَ النور مهما كانت الظروف منذ أن سمعوا باتفاق الأطراف المسيحيين عليه في إطار لجنة المتابعة المسيحية برعاية البطريرك الماروني بشارة الراعي ليل الأحد الماضي، وحتى بعدما أُعلن عن موافقة «حزب الله» وحركة «أمل» عليه، لاعتقادهم أن هناك مناورة أوجبت المزايدات بين القوى المسيحية في قوى 14 آذار من جهة وبين «التيار الوطني الحر» بزعامة العماد ميشال عون من جهة ثانية، على كسب الرأي العام المسيحي، باعتبار أن هذا المشروع يؤمن انتخاب النواب المسيحيين من الناخبين المسيحيين فلا يعودوا مرتهنين إلى الفرقاء المسلمين الذين لديهم أكثرية في عدد كبير من الدوائر. كما أن نواب «المستقبل» و «جبهة النضال» ناموا على حرير معرفتهم بأن الرئيس سليمان لن يقبل بهذا المشروع، وبعضهم كان يعتقد سلفاً أن الرئيس بري، وإن أبلغ نوابه زملاءهم في «التيار الحر» موافقتهم على هذا المشروع، مراعاة للتحالف معه، لن يقبل في النهاية بمواصلة السير بهذا المشروع، نظراً الى اعتراض ممثلي طائفتين عليه، هم السنّة والدروز، ونظراً الى موقف الرئيس سليمان منه، وأنّ جُلَّ ما فعله بري هو ذهابه في المناورة القاضية بمسايرة عون حتى النهاية، وصولاً الى الطريق المسدود أمامها، ليبلغ الحليف أن العقبات أكبر من التسهيلات. كما أن نواب تيار «المستقبل» أبلغوا «الحياة» قبل 3 أيام أنهم على رغم الضرر المعنوي-السياسي لموافقة حلفائه المسيحيين، أي حزبي الكتائب و «القوات اللبنانية» على هذا المشروع، فإن اعتراضهم عليه لم يسقط من الحساب ضرورة التريث في مفاتحة الحليفين بهذا الضرر إفساحاً في المجال أمام المناورة التي أوجبتها المزايدة بينهما وبين عون كي تأخذ مداها وتصل إلى النتيجة القائلة بصعوبة تمرير هذا المشروع. وقال أحد نواب «المستقبل» إن إقرار قانون الانتخاب الذي يرسم صورة التوازن البرلماني السياسي في المشهد اللبناني، لا يتوقف على عدد الكتل والنواب الذين يؤيدونه، بل على عوامل أخرى أكثر أهمية تتصل بتطورات المشهد الإقليمي التي لا توحي على الإطلاق بإمكان تجاهل وزن «المستقبل» وجنبلاط في ظل الأزمة السورية المتمادية وانحسار الدور السوري في لبنان... مهما جرت محاولات لمعاكسة هذه التطورات. هذا فضلاً عن أن الحجج التي تساق من البعض، وفق قول أحد نواب 14 آذار المسيحيين، تدفعهم إلى القول إن هذا المشروع سيغرق لبنان في حال من التخلف والتراجع، فهو مشروع سيربط المرشح للنيابة عن مقعد ماروني في عكار مثلاً، بالناخب الماروني في كسروان وفي الجنوب، وسيفصله عن الناخب الكاثوليكي والأرثوذكسي في منطقته وسيحول دون تواصلهما (هذا فضلاً عن الناخبين المسلمين في هذه المنطقة) وسيجعله خاضعاً لمنطق غير مفهوم في العلاقة مع أبناء بيئته، وسيزيد من التطرف الطائفي والمذهبي تحت عنوان السعي إلى كسب الناخبين في مذهبه، في منطقته، وفي المناطق البعيدة عنها، لتبرير ترشيح نفسه من أجل تمثيلهم. وهو ما سيضطره الى المزايدة الطائفية والمذهبية على منافسيه، خصوصاً إذا كانوا من طينة تجنح نحو التعصب الطائفي، وهو أمر يزيد من انفصاله عن جمهور الطوائف الأخرى في منطقته ويزيد التباعد ويهدد العيش المشترك. وهذا الجانب السلبي، وفق ما يراه نواب مسيحيون في قوى 14 آذار، يعبّر عنه النائب جنبلاط في مجالسه بقوله: «بهذا المشروع لن يعود أحد يتحدث مع أحد» (الطوائف والمذاهب). ومن الحجج الأخرى السلبية حيال هذا المشروع، أنه لا يؤمن عدالة التمثيل النيابي لأنه سيؤدي الى نجاح نائب من الأقليات ببضع مئات من الأصوات (إذا تعدد المرشحون وتوزعت الأصوات بالنسبة الى الطوائف الصغيرة) وإلى نجاح نائب سني أو شيعي بمئات آلاف الأصوات. وهي حجة تشكل سبباً لتلويح الرئيس سليمان بالطعن به، إضافة إلى الأسباب الأخرى المتعلقة بمعاكسته روحيةَ الدستور واتفاق الطائف في ما يخص صون العيش المشترك وفي ما يخص نص الدستور على التوجه نحو انتخاب برلمان غير طائفي، ليتم حصر التمثيل الطائفي لاحقاً بمجلس للشيوخ، كما تنص عليه المادة 95 من الدستور. وبصرف النظر عما إذا كانت توقعات نواب «المستقبل» وجبهة النضال» بأن مشروع اللقاء الأرثوذكسي لن يرى النور، فإن بعض الأطراف الذين أيدوه في قوى 8 آذار لا ينكرون أن فيه مساوئ، لجهة تأثيره في زيادة منسوب الطائفية في البلد، على رغم دفاعهم عن تأييدها له. حجج «حزب الله» فالأوساط القيادية في «حزب الله» تسوق حججاً لشرح أسباب دعمها لهذا المشروع بناء لطلب حليفه في «التيار الوطني الحر»، بتفهمها المنحى التصاعدي في الطائفية السياسية الذي يعززه هذا المشروع، وتسأل: ألم تنحدر الحياة السياسية في البلد الى الحد الطائفي والمذهبي الذي نراه في البلد أصلاً؟ فليتم اعتماد قانون يعبّر عن هذا الانحدار في الحياة السياسية. نحن مشروعنا الأساسي هو اعتماد النسبية في القانون مع دوائر كبرى أو متوسطة، ولدينا ليونة في النقاش حول توزيعها وعددها، إلا أن رفض الفريق الآخر النقاش بالنسبية أدى الى تأييدنا مشروع اللقاء الأرثوذكسي، لأن فيه النسبية مع اعتماد لبنان دائرة واحدة، مع إدراكنا أن هذا سيزيد من الأجواء الطائفية، الموجودة أصلاً، بسبب لغة التخاطب السياسي السائدة». ويقول مصدر قيادي في الحزب ل «الحياة» من باب التسليم بهذا الجانب من المشروع: «فلنعتمده لمرة واحدة. وليأت نواب يمثلون مذاهبهم وطوائفهم ويجتمعوا ويتوصلوا الى تسوية في البلد حول قانون عصري أكثر، أو تقوم هيئة تأسيسية ترسم تلك التسوية، تكون مستندة إلى أن من صاغوها جاؤوا بغالبية شعبية في طوائفهم. وربما يقوم ممثلو المذاهب الحقيقيون بحوار منتج». ومع أن المصدر نفسه عبّر عن عدم ثقته بأن الكتائب و «القوات» سيماشيان عون حتى النهاية في تأييد مشروع اللقاء الأرثوذكسي، فإنه يبرر قبول الحزب به بالقول: «ألا يشبه هذا المشروع قانون الستين (الذي يعتمد النظام الأكثري مع الدوائر الصغرى المستندة الى الأقضية ال 26 مع استثناءات قليلة يدمج فيها بين قضاءين) من زاوية عدم تلاؤمه مع عدالة التمثيل بسبب اعتماده الدوائر الصغرى التي تكرس التطرف وتسبب في بعض الدوائر طغيان فئات على أخرى. وهو يكرّس الطائفية، مثله مثل مشروع اللقاء الأرثوذكسي، بينما النسبية تسمح بتمثيل فئات يحول قانون الستين دون وصولها إلى الندوة البرلمانية، إن على المستوى السياسي أو الطائفي. ويأخذ المصدر على تيار «المستقبل» وقوى 14 آذار أنها أقفلت باب الحوار السياسي في البلد حول كل الأمور، انطلاقاً من اشتراطها استقالة الحكومة قبل أي شيء، في حين يحتاج تنفيس الاحتقان ومواجهة الاستحقاقات مثل هذا الحوار، وأن جل ما هو حاصل مع «حزب الله» أو مع الرئيس بري يقتصر على التواصل العادي في الإطار النيابي، الذي لا يتعداه إلى البحث في عمق الأزمة السياسية. ويتهم المصدر نواب تيار «المستقبل» بأنهم يعتمدون أداءً يزيد الكراهية وخطاباً يزيد في تسعير الأجواء المشحونة في البلد، نتيجة مراهناتهم الخارجية، ولا سيما على سقوط النظام السوري، معتبراً أن هذا لن يقود الى أي نتيجة سياسية، وهم يناورون بدورهم ويعملون على تكريس قانون الستين لأنه قد يكون لديهم مشكلة مع النسبية التي تقود الى اشتراك فرقاء آخرين في التمثيل النيابي. وينتهي المصدر إلى القول إنه إذا كان الرئيس سليمان سيطعن بمشروع اللقاء الأرثوذكسي في حال إقراره، فإن السؤال الطبيعي هو هل أنه سيطرح البديل؟ وهل هو في هذه الحال مع قانون الستين؟