الخروج من المسجد لم يعد بالأمر اليسير، ليس بسبب زحمة المصلّين بل لكثرة المتسولين المصطفين على طرفي بوابة المسجد. اعتاد المصلون أن يصادفوا متسولاً أو اثنين على الأكثر، يقفون كل صلاة لينالوا القليل مما يتكرم الناس به عليهم، إلاّ أن عدد المتسولين يزداد بشكل مطرد وسريع، معظمهم يلجا إلى استخدام أسباب، ك «التشرد من سورية» و «عدم إيجاد مأوى أو أكل أو ملابس أو دواء...»، لإقدامه على التسول، ويبرز بعضهم بطاقة هويته «السورية» ويفتح منديلاً بين ذراعيه، وآخر يحمل وصفات دواء يدّعي أنها لأحد أبنائه. بعض المارّة يجود بالنقود والدعاء، ولكن غالبية الناس لا تصدّقهم، ويحاولون معرفة إذا ما كانت حيلة جديدة من حيل المتسولين، أو أنهم فعلاً لاجئون محتاجون. المشهد يتكرر في كل تقاطع ومفترق طرق من شوارع بيروت، وعند مواقف الباصات ونقل الركاب. ولأن الناس ليس في مقدروها أن تفرّق بين المحتاج والمتسول، يعمد كثيرون إلى الكلام على دور الجمعيات الخيرية والمنظمات الأجنبية في محاولة سدّ ثغرات تقصير الحكومة اللبنانية في إيواء اللاجئين وتأمين حاجاتهم الأساسية من الطعام والعلاج. وعدم إيجاد مخيمات للجوء فتح الباب أمام المهجّرين للانتشار في المدن والشوارع، ما أدى إلى ارتفاع أسعار إيجار المنازل. ووصل إيجار المنزل إلى 400 دولار أميركي، أي أنه ازداد 100 في المئة في بعض الأحياء الفقيرة في مدينة طرابلس الشمالية، حيث لجأت عشرات الآلاف من العائلات السورية. وتقول سيرين (مشرفة اجتماعية) إنها وجدت عائلات تبيع المؤن والمساعدات الغذائية وتبقي الخبز فقط لإطعام أبنائها، كل ذلك من أجل تسديد إيجار المنزل المكلف، فالجمعيات تدفع نحو 70 في المئة من الإيجار والباقي يتحمله اللاجئ المستأجر. يرقد أبو محمد الذي فقد عقله، مع اثنين من أبنائه المعوقين، كان أبو محمد قبل أسابيع بكامل قواه العقلية، قبل اغتصاب ابنته أمام ناظريه واختطافها على أيدي مسلحين وهو لا يعرف عنها شيئاً. يسأل كل من يزوره: «هل ستعود ابنتي؟ هل سترجع إلي؟»، ويجيب نفسه: «نعم ستعود». بجانبه يتربع ابنه البكر، الذي حاول لجم المسلحين عن انتهاك عرض أخته لكنهم قابلوه بالضرب المبرح حتى كسر حوضه وبات مُقعداً لا يقوى على الحركة. أما عامر، اللاجئ الأربعيني، فخرج بحثاً عن علاج لقدمه المتورمة، من دون أن يوفّق بالسرعة اللازمة، ما أدى إلى بترها خوفاً من تمدّد «الغرغرينا» إلى جسمه. في جبل البداوي يسكن اللاجئون في مخازن بانتظار إيجاد منازل تقيهم برد الشتاء القارس. ويقول الناشط الاجتماعي وسام حسن إن 4 عائلات من 27 فرداً تعيش في مخزن من غرفتين وحمام واحد ويدفعون إيجاراً مماثلاً لإيجار شقة عادية في المنطقة. ينام هؤلاء اللاجئون بين أربعة جدران، لكن آخرين لم يجدوا ملجأً، فافترشوا الطرقات وناموا تحت الجسور ملتحفين السماء. ولم يكن تأخر نزول المطر أسابيع متواصلة شراً لهؤلاء، بل كان خيراً لهم، إذ أجّل انجرافهم مع أوحال الشتاء ولعنتها. المساعدات وطمع التجار المساعدات العينية والمالية، رغم محدوديتها، أثارت جشع تجّار المواد الغذائية وأصحاب المنازل على حدّ سواء، فأصحاب المحلات الذين يأخذون القسائم الموزّعة للاجئين يبيعونها بأسعار أغلى من السعر المتعارف عليه. واللاجئ الذي لا يعرف أسعار المواد الغذائية لا يدرك أن البائع يزيد في سعرها. وتتحدث سيرين عن أصحاب منازل يحاولون أخذ إيجار المنزل من الجمعية من دون معرفة المستأجر، ثم يعودون مرة أخرى الى اللاجئ ويطالبونه بدفع الإيجار مرة ثانية، وهو ما ترفضه إدارة الجمعيات، فهي لا تسلّم بدلات إيجار المنزل إلاّ بوجود الطرفين. ولا يقف الأمر عند حدّ الغش، بل يتعداه إلى سوء المعاملة. في منطقة رأس مسقا (الكورة)، تشكو أم لأربع بنات من سوء معاملة جارها، مؤكدة أنه يحاول التحرش بهن بين يوم وآخر، مهدداً إياهم بالترحيل، علماً أن الفتيات جامعيات وإحداهن متخرجة من جامعة أميركية، ويبحثن عن عمل لكفّ عائلتهن عن ذلّ السؤال وطلب المساعدة.