على رغم الارتياح العام لعدم مثول بنك «يو بي أس» السويسري أمام السلطات القضائية الأميركية بتهمة ارتكاب «ممارسات منهجية ومنظمة تخرق قوانين الضرائب الأميركي»، وتوصل الحكومتين الى اتفاق لتسوية خارج ساحات القضاء لملفات اثنين وخمسين ألف مودع لدى فرع البنك السويسري في ولاية فلوريدا الأميركية، متهمين بالتهرب الضريبي، اتفق جميع المحللين السياسيين والاقتصاديين، على أن ثمن تلك الصفقة التي لم يعلن عن تفاصيلها إلا بعد توقيعها، سيكون باهظاً. ويضفي صمت جميع الأطراف المعنية عن تفاصيل الاتفاق، مزيداً من الغموض حول التفاصيل. فوزيرة العدل والشرطة السويسرية ايفيلين فيدمبر شلومبف، اكتفت بالقول: «إن الاتفاق على حل وسط بين دولتين سياديتين تحترمان القانون، يصب في مصلحتهما»، ولم يضف مساعدها فولكو كالي سوى أن الطرفين «تناولا تفاصيل اتفاق المبادئ الذي توصلا إليه في الحادي والثلاثين من تموز (يوليو) الماضي». وامتنع بنك «يو بي أس» عن التعليق على الاتفاق «بناء على طلب السلطات السويسرية»، واكتفى بإصدار بيان مقتضب، شكر فيه رئيس مجلس إدارته كاسبار فيلليغر، السلطات السويسرية والوفد المفاوض، «على الجهود المضنية التي بذلوها للوصول إلى حل وسط». تكهنات حول التفاصيل لقد تأكد أن البنك لن يدفع غرامة مالية باهظة، وإلا لكان أبلغ سلطات بورصة زيورخ بالأمر وفق قانون تداول اسهم الشركات في سوق الأوراق المالية، الذي يفرض على أية شركة تطرح اسهمها للتداول، أن تحيط إدارة البورصة بأية غرامات أو عقوبات تفرض عليها، وهو ما لم يحدث بعد الإعلان عن التوصل إلى اتفاق. لكن دائرة التكهنات تحوم حول احتمال أن يفصح بنك «يو بي أس» عن بيانات ودائع ما بين خمسة آلاف وعشرة آلاف شخص، كمثال على حسن النوايا وعلى أن البنك لا يتستر على متهربين من الضرائب، على أن يقوم بناء على تلك الأمثلة باحتساب قيمة الضرائب المفروضة على ال52 ألف مودع أميركي لدى البنك وسدادها إلى السلطات الأميركية، من دون الإفصاح عن تفاصيل الحسابات. المشكلة في مثل هذا الحل، بحسب الخبراء، تكمن في أن المودعين يمكنهم الطعن فيه، تمسكاً بقوانين الحفاظ على سرية الحسابات المصرفية السائدة في سويسرا، والتي لا يمكن اختراقها إلا بموجب حكم قضائي واجب النفاذ، يستند إلى أدلة تؤكد موقف البنك والسلطات الأميركية. الساحة السياسية لم تهدأ منذ الإعلان عن التوصل إلى اتفاق، فالليبراليون والمسيحيون الديموقراطيون تريثوا في الإدلاء بأية تصريحات ترقباً لتفاصيل الاتفاق، بينما شن اليسار ممثلاً في الحزب الاشتراكي، هجوماً على الموقف، وقال المتحدث الإعلامي باسمه، اندرياس كيزرمان في حديث الى «الحياة»: «من المؤكد أن أخطاء «يو بي اس» تسببت في تشويه صورة سويسرا والإساءة لساحتها المالية». واعتبر أن هذا الموقف يدعو إلى فتح ملف سرية الحسابات المصرفية في شكل واضح، لضمان عدم استغلالها في الدفاع عن المتهربين من الضرائب. ويعتبر الحزب أن الموقف الراهن هو بمثابة رسالة تحذير يجب على الجميع عدم التهاون في مغزاها. وذهبت نائبة الحزب انيتا فيتس أبعد من ذلك، وقدمت طلب إحاطة أمام البرلمان، تطالب فيه بالكشف عن تكاليف المفاوضات المضنية التي تكبدتها الحكومة السويسرية رافضة استغلال أموال دافعي الضرائب في حل مشكلات بنك يو بي اس، «إذ يجب أن يتحمل البنك ثمن أخطائه»، بحسب قولها، لأن وفد المفاوضين السويسريين يضم خبراء من وزارات الخارجية والمال والعدل والشرطة. في المقابل، تنظر التيارات اليمينية المتشددة الى الموقف من زاوية أخرى، إذ يؤكد الخبير الاقتصادي هانز كاوفمان من حزب الشعب اليميني المتشدد، في تصريح الى «الحياة»، أن هذا الموقف يدعو إلى ربط سرية الحسابات المصرفية بالدستور السويسري، والتشديد على احترام قوانين حماية المعطيات الخاصة، كما يطالب بعدم تجديد اتفاق منع الإزدواج الضريبي مع الولاياتالمتحدة، وعرض مثل هذه الاتفاقات المهمة على الشعب لإبداء رأيه فيها. لكن ما يتفق فيه اليسار واليمين هو أن هذا الاتفاق سيفتح الباب أمام مزيد من الدول لاتخاذ إجراءات مماثلة. ويقول كاوفمان: «إن عملية ابتزاز سويسرا وبنوكها كانت مبرمجة مسبقاً، وليس من المستعبد الآن أن تطالب دول مثل ألمانيا أو غيرها بالمعاملة بالمثل، بل أن تواصل الولاياتالمتحدة ضغوطها مرة أخرى على سويسرا، وقد يأتي دور بنك كريدي سويس أو أية مؤسسة مالية أخرى». ووسط هذا الخضم من التحليلات والتوقعات، ارتفعت أسعار أسهم بنك «يو بي أس» في بورصة زيورخ 3 في المئة فور الإعلان عن التوصل الى اتفاق، في بوادر انتعاش لأسهمه، بعد الإعلان عن خسائر الربع الثاني من العام والتي فاقت البليون دولار للمرة السابعة على التوالي. ويذكر ان أسهمه تراجعت 31 في المئة خلال عام واحد، وبلغ مجموعها نتيجة الأزمة العالمية، نحو 50 بليون دولار.