قمت بكفالة أحد الأشخاص كفالة حضورية، لمطالبة الغير له بمبالغ مالية، وبعد فترة فوجئت بمطالبة الحقوق المدنية لي لإحضار الشخص المكفول، ولم أستطع ذلك لتغيير عنوان منزله ومكان عمله، وتمت أحالة الأمر إلى المحكمة الشرعية، وتم الزامي بدفع المبلغ المطالب به للشخص الذي كفلته، علماً بأنني لم أكفله كفالة غرمية، بل كانت كفالة حضورية فقط، سؤالي كيف تصبح الكفالة غرمية بدلاً عن حضورية؟ - حكم الكفالة الحضورية المعمول بها جائزة؛ لأن الكفالة هي التزام إحضار هذا الإنسان عند حلول الدين، أو الحق الذي عليه، حق المالية. فإذا أحضره برئ الكفيل، جاء في المغني: «ومن كفل بنفس لزمه ما عليها إن لم يسلمها» ثم قال: وجملة ذلك أن الكفالة بالنفس صحيحة في قول أكثر أهل العلم هذا مذهب شريح ومالك والثوري والليث وأبي حنيفة وقال الشافعي في بعض أقواله: الكفالة بالبدن ضعيفة واختلف أصحابه، فمنهم من قال: هي صحيحة قولاً واحداً، وإنما أراد أنها ضعيفة في القياس وإن كانت ثابتة بالإجماع والأثر ومنهم من قال فيها قولين أحدهما: أنها غير صحيحة لأنها كفالة بعين فلم تصح كالكفالة بالوجه وبدن الشاهدين ولنا قول الله تعالى: «قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقاً مِنَ اللَّهِ لَتَأْتُنَّنِي بِهِ إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ فَلَمَّا آتَوْهُ مَوْثِقَهُمْ قَالَ اللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ» يوسف:66، ولأن ما وجب تسليمه بعقد وجب تسليمه بعقد الكفالة كالمال إذا ثبت هذا، فإنه متى تعذر على الكفيل إحضار المكفول به مع حياته أو امتنع من إحضاره لزمه ما عليه وقال أكثرهم لا يغرم ولنا عموم قوله عليه السلام: «الزعيم غارم»، ولأنها أحد نوعي الكفالة فوجب بها الغرم كالكفالة بالمال، وتصح الكفالة ببدن كل من يلزم حضوره في مجلس الحكم بدين لازم، سواء كان الدين معلوماً أم مجهولاً وقال بعض أصحاب الشافعية: لا تصح بمن عليه دين مجهول لأنه قد يتعذر إحضار المكفول به فيلزمه الدين ولا يمكن طلبه منه لجهله ولنا أن الكفالة بالبدن لا بالدين والبدن معلوم، فلا تبطل الكفالة لاحتمال عارض، ولأننا تبينا أن ضمان المجهول يصح وهو التزام المال ابتداء، فالكفالة التي لا تتعلق بالمال ابتداء أولى، وتصح الكفالة بالصبي والمجنون لأنهما قد يجب إحضارهما مجلس الحكم للشهادة عليهما بالإتلاف وإذن وليهما يقوم مقام إذنهما وتصح الكفالة ببدن المحبوس والغائب وقال أبو حنيفة: لا تصح ولنا أن كل وثيقة صحت مع الحضور صحت مع الغيبة والحبس كالرهن والضمان، ولأن الحبس لا يمنع من التسليم لكون المحبوس يمكن تسليمه بأمر الحاكم أو أمر من حبسه ثم يعيده إلى الحبس بالحقين جميعاً والغائب يمضي إليه، فيحضره إن كانت الغيبة غير منقطعة وهو أن يعلم خبره، فإن لم يعلم خبره لزمه ما عليه قاله القاضي وقال في موضع آخر: لا يلزمه ما عليه حتى تمضي مدة يمكنه الرد فيها فلا يفعل. مسألة: تحوّل الكفالة الحضورية «بدن» إلى كفالة غرمية «أداء» وذلك في حال عجز الكفيل الحضوريّ عن تنفيذ التزامه بالكفالة، شريطة بقاء الالتزام قائماً لم ينقض، علماً بأنه ينقضي إما بأدائه أو بالإبراء منه أو بمجيء المكفول اختياراً أو جبراً لمجلس التحقيق أو المحاكمة المتفق عليه كمكان للتنفيذ. - الكفالة الحضورية لمن عليه عقوبة لا تجوز على رأي المذهب الحنبلي إلا في الدية الموجبة للعفو عن القصاص، وغرم السرقة، وما يقاس عليهما. ورأي بعض المذاهب الأخرى في حكم الكفالة الحضورية لمن عليه عقوبة: هناك رأي فقهي يفرق بين كفالة تسليم من عليه عقوبة وكفالة ذات العقوبة، فيجيزها في الأولى ويحرمها في الثانية، وذلك راجع لتمييزه للمحل الذي تقع عليه الكفالة، فإن وقعت على مجرد فعل التسليم صحت، لأنه أمر مقدور عليه، وإن كانت على العقوبة ذاتها فهي لا تصح. وبذلك يثور تساؤل مهم هنا: ماذا لو لم يستطع التسليم؟ فمن غير المنطق أن يعاقب بعقوبة المكفول لأن ذلك يتنافى مع مبدأ شخصية العقوبة لذلك: فإن للقاضي هنا – على رأي أصحاب هذا الاتجاه – أن يعزّر الكفيل العاجز عن تسليم المكفول بما يراه مناسباً. وهذا الرأي هو ما يراه بعض الفقهاء المعاصرين أقرب للتوافق مع الأنظمة الحالية المطبقة. وقد يتساهل الكثير منا بالكفالة وبنوعيها، سواء إن كانت كفالة حضورية أم غرمية، وقد يكفل أحياناً منا أي شخص أو صديق أو أخ من أجل المروءة والنخوة من دون أن نعلم عن الموضوع الذي كفلنا من أجله بقدر ما نود إيجاد مخرج للمكفول من المأزق الذي وجد نفسه فيه، فالكفيل الحضوري ليس مطلوباً منه إحضار المكفول بالإكراه، ولكن يحتم عليه الأمر أن يكون على معرفة تامة بمن كفل، حتى ولو تم تغيير مقر عمله أو سكنه أو عنوانه، وفي حال تعذر إحضار الكفيل الحضوري لمن كفله وأقر بذلك، يصبح ملزماً تجاه المدعي بكامل الدين المطالب به المكفول لعدم قدرته على إحضار أو تحديد عنوان المدعى عليه، على رغم تعهده بذلك بالكفالة، وبذلك يكون الإجراء الذي تم اتخاذه تجاهك صحيحاً وجائزاً نظاماً ولا غنى عنه إلا بإحضارك للمكفول.