يثابر محمد على مطالعة صحيفة يومية، مقرّبة من الحكومة، منذ أكثر من ثماني سنوات، في انتظار أن يقرأ اسمه في لوائح التعيينات الصادرة عن ديوان الخدمة المدنية، المسؤول عن التوظيف. آماله تتضاءل مع سياسة تقليص الوظائف التي تنتهجها الحكومات في إداراتها لتخفيض النفقات. وينشغل أسامة في سؤال كل من يعرف أنه أصحاب رؤوس الأموال، إذا كان من الأفضل تحويل رصيده المتواضع من الدينار إلى الدولار، خوفاً من انهيار الدينار، لكنه يتراجع في كل مرة، إذ أن القرار سيُرتّب عليه فرق عملة، في عملية خاسرة إذا لم تهبط قيمة الدينار. المغامرة كبيرة بالنسبة لأسامة الذي جمع رصيده «قرشاً قرشاً منذ 10 سنوات من أجل أن يتزوج من عروس طال انتظارها: «أي هبوط للدينار يعني خسارة جهد سنوات، ولم يبقَ من الشباب الكثير، فشعر الرأس انحسر على الأطراف فيما الحواجب بدأت بالسقوط على العيون». هبوط الدينار أو ثباته حديث الشارع الأردني، نتيجة للأزمة الاقتصادية التي يعيشها الأردن والناجمة عن كم كبير من الفساد الذي تؤكد الإحصاءات أنه يتجاوز البليون دولار سنوياً. وتحوّل سعر الدينار إلى وسواس قهري لدى أسامة، الذي لا يفوت نشرة اقتصادية على الفضائيات، كما يقول صديقه صائب الذي لم يعد يستمتع في جلسة معه من دون أن يكون الكومبيوتر ثالثهما للاطلاع على آخر الأخبار الاقتصادية. صائب يتابع مع أسامة التفاصيل من أجل اتخاذ قرار بما يجب فعله لتمكين أخته من إكمال دراستها الجامعية، بعد أن أنهت دراسة الثانوية العامة، وتوفي والده فجأة، قبل أن يكون هناك أي ترتيب لدراستها، فجلست في البيت تندب حظها، بينما صائب الموظف البسيط لم يتسنّ له بعد التقاط أنفاسه من آثار البطالة وديونها التي عانى منها أكثر من عشر سنوات. يرى الكاتب والخبير التربوي بسام روبين أن التعليم الجامعي في الأردن يأخذ بالتراجع بشكل واضح، «فقد أصبح التعليم كمزاد السيارات مَن يدفع أكثر يحصل على ما يرغب»، مشيراً إلى أن «هذه الطريقة غير عادلة ومن شأنها تخفيض مستوى التعليم وقيمته العلمية في بعض التخصصات». ويضيف إن «هذه السياسة قد تستثني طالباً مبدعاً يمكن أن يصبح عالماً، وتتبنى طالباً متواضع القدرات»، معتبراً أن التعليم «يجب ألاّ يكون سلعة يباع ويشترى، إذ يُفترض أن يكون التعليم الجامعي مجانياً». ويشير إلى أنه يتوجب على الدولة أن تتعهّد وتتكفّل بتأمين مقعد جامعي مجاني لكل طالب أردني ينجح في شهادة الثانوية العامة. ويكشف تقرير صدر عن دائرة الإحصاءات العامة، أن نسبة الفقر في المملكة بلغت 13.3 في المئة. وشكك خبراء غير حكوميين بالنسبة، فيما يتحدث التقرير عن ارتفاع أعداد الفقراء ودخول مناطق جديدة ضمن «جيوب الفقر». ويكشف أن عدد الذين يعيشون تحت خط الفقر في الأردن بلغ 781 ألف فرد، مقارنة مع 706 آلاف عام 2006، من أصل عدد سكان الأردن البالغ ستة ملايين نسمة. ويُظهر التقرير أن 57 في المئة من الفقراء يعيشون في محافظات عمّان وإربد والزرقاء، ويعيش نحو ربعهم في عمّان وحدها. ويحدد 323 ديناراً أردنياً (450 دولاراً)، حداً لقياس نسبة الفقر للعائلة المكونة من ستة أفراد. ومن اللافت أن أرقاماً اقتصادية رسمية ومستقلة أظهرت أن سلم الرواتب العام للموظفين الحكوميين في المملكة يشير إلى أن نحو 80 في المئة منهم لا تتجاوز رواتبهم 300 دينار شهرياً (423 دولاراً). وشدّدت الدراسة على ضرورة مراعاة عدد أفراد الأسرة ومكان إقامتها لقياس حدّ الفقر بشكل سليم. وتعتبر محافظة المفرق الأشد فقراً في الأردن، إذ بلغت نسبة الفقر فيها 32 في المئة، وجاءت محافظة معّان في المرتبة الثانية إذ يعيش نحو 24 في المئة من سكانها تحت خط الفقر. وفي حين خرجت أربع مناطق من «جيوب الفقر المطلق» في المملكة، دخلت 14 منطقة جديدة ضمن هذه الجيوب، ليرتفع عدد المناطق الأكثر فقراً في البلاد إلى 32 تتراوح نسبة الفقر فيها بين 25 و69 في المئة. لكن التقرير تحدثّ عن إنجاز ظهر في نجاح استراتيجية القضاء على الجوع في البلاد، ولم ترتفع نسبة السكان الذين يعانون من الجوع، عن ربع نقطة مئوية.