كتبت مرة بعد مرة مطالباً بمحاكمة ديك تشيني وعصابة الحرب التي زوّرت معلومات الاستخبارات وكتمت معلومات أخرى لتبرير غزو العراق، ما أدّى الى تدمير البلد على رأس أهله وقتل مئات ألوف العراقيين. وكنت أعود الى الموضوع مع توافر مادة جديدة، غير أن احتمال محاكمة مجرمي الحرب يظل ضعيفاً، وفي بطن المستقبل، لأنه يدين النظام كله مع الأفراد. والمطروح الآن هو تحقيق في مخالفة أركان ادارة بوش الدستور الأميركي والقوانين المحلية في تعذيب المعتقلين والسجناء. ثمة أدلة كافية ووزارة العدل الأميركية تحت ضغط من الكونغرس وأجهزة الإعلام لتعيين محقق خاص في دور تشيني. وفي حين أن الرئيس باراك أوباما قال إنه لا يريد نبش الماضي، وانما منع تكرار المخالفات والنظر الى الأمام، فهو قال أيضاً إن القرار النهائي لوزير العدل اريك هولدر. لن أعود الى مادة قديمة استعملتها في زاويتي هنا وأنا أطالب بمحاكمة تشيني، وانما أراجع أسباب الضجة الأخيرة ملتزماً تتابع الأحداث. في أيار (مايو) الماضي قال ليون بانيتا، رئيس وكالة الاستخبارات المركزية، ان «سي آي أي» لم تكذب على الكونغرس. وهو عاد في 24 حزيران (يونيو) واعترف أمام لجنتي الاستخبارات في مجلسي الكونغرس بأن «سي آي أي» حجبت عن الكونغرس خطة لاغتيال قادة «القاعدة» بطلب من تشيني. وفي المعلومات ان الخطة ظلت قائمة من دون تنفيذ ثماني سنوات، وفي النهاية استعاضت ادارة بوش عنها بطائرات من دون طيار تطلق صواريخ على رجال «القاعدة» المشتبه بهم. وأرجو من القارئ أن يلاحظ تشابه الخطة مع اغتيال اسرائيل قادة الفلسطينيين، أو مهاجمتهم بالصواريخ، ففي الخطتين الأميركية والإسرائيلية يُقتل مدنيون كثيرون مع كل هدف، وأحياناً لا يُقتَل غير مدنيين وينجو المطلوبون. بعد اعتراف بانيتا بدور تشيني في حجب المعلومات عن الكونغرس وجّه سبعة أعضاء ديموقراطيين رسالة الى رئيس «سي آي أي» تطالبه بالاعتذار عن تضليل الكونغرس، مع انني أرجح أنه لم يكن يعرف التفاصيل، فقد كان جديداً في عمله. وكانت الضجة لا تزال مستعرة عندما نشرت «نيويورك تايمز» في اليوم التالي لشهادة بانيتا، أي 25 حزيران، خبراً كتبه مارك مازيتي وديفيد جونستون عنوانه «بوش درس استعمال العسكر في الاعتقالات داخل الولاياتالمتحدة». لا أعتقد أن هناك وسيلة اعلام أميركية من أي نوع لم تعلّق على هذا الخبر، مع مطالبة كثيرين بتحقيق، فهم رأوا في تفكير الإدارة محاولة انقلاب عسكري كما قالت مجلة «هاربر». ولعل تشيني ما كان استطاع التفكير باستخدام العسكر لولا ان الإدارة استعانت بمحامين قدموا لها ما تطلب، فنائب الرئيس وأركان العصابة استشهدوا في جدال عن الموضوع في 23/10/2003 بمذكرة كتبها المحاميان جون يو وروبرت ديلاهنتي، تزعم «ان الرئيس يملك الحق الدستوري والقانوني لاستعمال العسكر ضد إرهابيين دوليين أو أجانب يعملون داخل الولاياتالمتحدة». (يو أباح التعذيب في مذكرة أخرى). المحامون هؤلاء قد لا يواجهون محاكمة، إلا انهم أصبحوا منبوذين حيث يعملون، وقد توقفهم نقاباتهم عن العمل، وإذا أخذنا جون يو مثالاً فهو يُعلّم في جامعة كاليفورنيا ويهاجِمه الطلاب كل يوم ويدعون الى طرده أو محاكمته. إذا عينت وزارة العدل محققاً خاصاً في النهاية، فالتركيز سيكون على تعذيب المعتقلين لأن التهمة ثابتة ويسهل إقناع هيئة محلفين بها. والدستور الأميركي يمنع بوضوح رجال الحكومة من ممارسة عقاب غير مألوف أو قاسٍ ضد إنسان معتقل، بل ان التعديل الخامس يحمي المعتقل من الإدلاء بشهادة قد تستخدم لإدانته. وكان تشيني طالب «سي آي أي» برفع السرية عن معلومات تثبت ان وسائل التحقيق المكثف، أي التعذيب، أدَّت الى انقاذ حياة ألوف الأميركيين، وربما مئات الألوف، وانه كان صواباً لمنعه هجمات مكثفة من «القاعدة»، غير أن إدارة أوباما أفرجت عن وثائق تعذيب كثيرة، كانت بينها واحدة من المفتش العام لوكالة الاستخبارات المركزية قال فيها ان التعذيب لم يساعد في منع أي هجوم ارهابي محدد. إذا عينت وزارة العدل محققاً خاصاً فلا بد أن هذا سيلاحظ فوراً ان ديك تشيني لم يندم أو يعتذر، وانما يواصل الكذب. وأكمل غداً.