حملت انتخابات اللجنة المركزية لحركة «فتح» مفاجأة كبيرة وُصفت ب «الانقلاب الابيض»، وتمثلت بفوز كاسح للجيلين الثاني والثالث في الحركة وانحسار تمثيل «الحرس القديم». وحسب النتائج شبه الرسمية، فاز 14 من القيادات المحلية البراغماتية بعضوية اللجنة التي احتفظت بأربعة فقط من اعضائها القدامى. اما الخاسر الاكبر فكان احمد قريع الذي خسر عضويته بفارق صوتين. ولم يكن متوقعاً حلول الاسير مروان البرغوثي في المركز الثالث في الانتخابات التي حصد فيها محمد غنيم أعلى الاصوات، في وقت قالت مصادر مطلعة ان الرئيس محمود عباس يتجه لتعيينه نائبا له في قيادة الحركة. وتلقى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز أمس، اتصالاً هاتفياً من الرئيس الفلسطيني محمود عباس. وأوضحت «وكالة الأنباء السعودية»، «أنه جرى خلال الاتصال البحث في العلاقات بين البلدين الشقيقين، وآخر تطورات الأوضاع في المنطقة». وكان خادم الحرمين وجّه برقية للرئيس الفلسطيني محمود عباس، لمناسبة انعقاد مؤتمر «فتح» دعا فيها الفلسطينيين الى استعادة «وحدتهم الوطنية وتوحيد جهودهم، لتحقيق النصر بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وهذا لن يتأتى والبيت الفلسطيني منقسم على نفسه». وقال مراقبون ومشاركون في الانتخابات ان «فتح» عاقبت قيادتها على فسادها وفشلها في ادارة السلطة، وعملية السلام مع اسرائيل، ومواجهة حركة «حماس»، سواء في الانتخابات، او على الارض. وفي هذا الصدد، قال جبريل الرجوب العضو الجديد في اللجنة المركزية: «عاقب الفتحاويون قيادتهم على احتكار القيادة عشرين عاما»، مضيفا: «فشلت اللجنة المركزية في جميع التحديات التي واجهتها، حتى انها فشلت في تقديم تقرير للمؤتمر عن فترة عملها الماضية». وما ان ظهرت النتائج حتى بدأ الاعضاء المنتخبون بتحديد الاولويات، فقال محمد دحلان ان المؤتمر وضع «فتح» امام مستقبل جديد، مضيفا ان القيادة ستكرس نفسها للحركة، وان «اولوية القيادة الجديدة هي العمل على معالجة ملف غزة، وتحديدا العلاقة مع حماس». وسيكون على اللجنة الجديدة ان تركز على تحديات اخرى بينها عملية السلام، واصلاح البيت الفتحاوي لتكون الانطلاقة الجديدة للحركة حقيقية». في هذا الصدد، اتخذ المؤتمر قرارا بمنع اعضاء اللجنة من تولي مناصب تنفيذية في السلطة، مثل وزير او سفير او غيره، وذلك حتى يتفرغوا لقيادة الحركة. كما اتخذ المؤتمر قرارا بالانعقاد في موعده من دون تأخير، وبأن يكون المجلس الثوري قويا. ورأى مراقبون ان اجراء الانتخابات عززت وضع عباس داخل الحركة واعطته شرعية القيادة، وفي الوقت نفسه عززت موقفه التفاوضي مع اسرائيل ووجهت رسالة الى المجتمع الدولي بأن الحركة موحدة وراءه، وانها قادرة على ان تكون شريكا في عملية السلام من موقع القوي، وذلك قبل اسابيع من اعلان الرئيس باراك اوباما مشروعه للسلام في الشرق الاوسط. وبحسب النتائج شبه الرسمية للانتخابات، فان القيادات التي حصدت اعلى الاصوات هي على التوالي محمد غنيم، محمود العالول، مروان البرغوثي، ناصر القدوة، سليم الزعنون، جبريل الرجوب، توفيق الطيراوي، صائب عريقات، عثمان ابو غربية، محمد دحلان، محمد المدني، جمال محيسن، حسين الشيخ، عزام الاحمد، سلطان ابو العينين، نبيل شعث، عباس زكي، محمد اشتيه. وسقط الامين العام للسلطة الطيب عبد الرحيم بفارق صوت واحد، في حين سقط قريع بفارق صوتين. وبقي في اللجنة من «الحرس القديم» اربعة، اثنان حظيا بدعم الرئيس عباس هما محمد غنيم (ابو ماهر) وسليم الزعنون، والآخران هما نبيل شعث وعباس زكي. يذكر ان الفائزين يوصفون بالاعتدال والبراغماتية، فهم ممن نشأوا تحت الاحتلال الاسرائيلي ودخلوا السجون، ثم عاصروا عملية السلام، وغالبيتهم ترفض تسليح الانتفاضة، ومنهم من تولى مناصب قيادية في السلطة اقتضت الاحتكاك بالاسرائيليين. اما اللافت، فهو غياب نساء عن عضوية اللجنة المركزية المنتخبة، وهو اختلال يتوقع ان يتدخل الرئيس عباس لتعديله من خلال تعيين امرأة في اللجنة، في وقت توقعت مصادر ان يعين الرئيس ايضا ممثلا عن المسيحيين والمثقفين في اللجنة. من جانبها، قالت «حماس» انها ستحدد علاقتها مع القيادة الجديدة ل «فتح» من خلال الحكم على سياستها وتصرفاتها العملية ومدى التزامها الثوابت والمقاومة، داعية اياها الى «الاستفادة من اخطاء الماضي».