تتخوف مصادر وزارية من لجوء بعض الأطراف في «قوى 8 آذار» إلى وضع العراقيل أمام إقرار خطة الحكومة الرامية إلى استيعاب النازحين السوريين، خصوصاً أنه تقرر ترحيل مناقشتها إلى جلسة لاحقة لمجلس الوزراء تعقد بعد انتهاء عطلة الأعياد، على رغم أن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي كان تعهد إدراج الخطة على جدول أعمال الجلسة التي تعقد غداً في بعبدا برئاسة رئيس الجمهورية ميشال سليمان. وتؤكد المصادر أن مجلس الوزراء تحاشى في السابق الدخول في مناقشة مستفيضة للخطة الواجب اعتمادها لاستيعاب النازحين السوريين، وارتأى تكليف لجنة وزارية برئاسة ميقاتي تقوم بمهمة وضعها بذريعة الإفادة من عامل الوقت وتجنب الاختلافات التي يمكن أن تنشأ حولها. وتضيف أن العناوين الرئيسة للخطة نوقشت بين الوزراء وائل أبو فاعور، علي حسن خليل، حسان دياب وآخرين، وتم الاتفاق على توزيع المهمات بين الوزارات المعنية وتكليف وزارة الشؤون الاجتماعية القيام بدور المنسق العام بين الوزارات من جهة، وبين المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في الأممالمتحدة والجهات الدولية المانحة من جهة ثانية، لتوفير المساعدات للنازحين. وتتابع المصادر نفسها أن الأجواء في داخل اللجنة اتسمت بالإيجابية، خصوصاً أن تمويل الخطة يقع على عاتق الدول المانحة والمنظمات الدولية التي تعهدت توفير الدعم لها، لا سيما أنها عبرت عن تقديرها للجهود التي أدت إلى إقرار المسودة الأولى للخطة على أن تحظى لاحقاً بموافقة مجلس الوزراء. وتلفت المصادر عينها إلى أن كلفة تمويل الخطة تقدر بحوالى 300 مليون دولار لتغطية النفقات المترتبة على توفير الحاجات الصحية والمعيشية والاجتماعية للنازحين حتى نهاية عام 2013، وتؤكد أن هذه الخطة تلحظ أيضاً ازدياد عدد النازحين إلى حدود 200 ألف. وتكشف أن المفوضية العليا لشؤون اللاجئين تشرف على صرف النفقات بالتنسيق بين الوزارات المعنية، موضحة أن «ادعاء البعض أن وزارة الشؤون الاجتماعية تتحكم بالجانب المالي من هذه الخطة ليس في محله». لكن المصادر الوزارية أخذت تلاحظ مع استعداد مجلس الوزراء لمناقشة الخطة، قيام أطراف في «8 آذار» بشن حملة سياسية منظمة ضد النازحين موجهة إليهم اتهامات شتى أبرزها أن معظمهم ينتمون إلى مجموعات تكفيرية وإرهابية وأن تنظيم «القاعدة» لم يعد بعيداً عن لبنان كما قال رئيس «تكتل التغيير والإصلاح» النيابي ميشال عون في مؤتمره الصحافي الأخير. ومع أن الحملات الاتهامية كما تقول المصادر، لم تصدر عن حركة «أمل» و «حزب الله»، فإن الأخيرين لم ينضما إليها، لكنهما في الوقت نفسه أحجما عن الرد على ما صدر من اتهامات من قبل وزير الطاقة جبران باسيل وآخرين، واكتفيا بالطلب من «التيار الوطني الحر» ضبط إيقاع الوزراء المنتمين إليه. كما أن الحملات لم توفر رئيس الجمهورية ميشال سليمان الذي أكد في أكثر من مناسبة أنه ضد إقفال الحدود في وجه النازحين ويجب توفير المساعدة لهم شرط أن يصار إلى ضبطهم لقطع الطريق على من يحاول استغلال وجودهم سواء من بعض الأطراف في الأكثرية أم في المعارضة. وتعتقد المصادر بأن الحملة على رئيس الجمهورية سبقت تدفق النازحين السوريين بأعداد كبيرة، وتعزو سببها إلى أمور ثلاثة أولها قوله إنه ينتظر اتصالاً من نظيره السوري الرئيس بشار الأسد ليسأله عن خلفية توقيف الوزير السابق ميشال سماحة بتهمة نقل متفجرات من سورية إلى لبنان لتفجيرها في أمكنة عدة في شمال لبنان، وثانيها رفضه في أكثر من مناسبة ما صدر من أقوال عن مسؤولين سوريين وعلى رأسهم السفير السوري في الأممالمتحدة بشار الجعفري وفيها أن تنظيم «القاعدة» موجود في عرسال البقاعية ومناطق أخرى في الشمال وأن هناك معسكرات للجيش السوري الحر في الأخيرة. أما ثالث الأمور فيعود بالدرجة الأولى إلى طلب رئيس الجمهورية من القضاء المختص عدم تسليم أي سوري للسلطات السورية، وأن من يخالف منهم القوانين يحاكم في لبنان انسجاماً مع مواثيق الأممالمتحدة التي تنص على حماية اللاجئين. يضاف إلى ذلك أن الحملة على سليمان لم تكن لأسباب لبنانية وإنما كانت سورية بامتياز، خصوصاً أن السفير السوري لدى لبنان علي عبدالكريم علي والأمين العام للمجلس الأعلى اللبناني - السوري نصري خوري كانا حملا معهما في زياراتهما لكبار المسؤولين لوائح بأسماء سوريين ترغب دمشق باستردادهم. لذلك فإن بعض تلك الحملات جاءت بالنيابة عن النظام في سورية لكنها أخذت تتفاعل تدريجاً لتركز على قضية النازحين وكأن أصحابها حزموا أمرهم وقرروا منذ الآن خوض معركتهم ضد إقرار الخطة لمساعدة النازحين وهم يتوزعون الأدوار في هذا المجال مع حملة السفير السوري في لبنان على وزير الشؤون الاجتماعية متهماً إياه بتخصيص المساعدات للمجموعات «التكفيرية» الوافدة من سورية إلى لبنان، إضافة إلى حملته على بعض هيئات المجتمع المدني التي سارعت إلى التطوع لتوفير الخدمات للنازحين وهذا ما تبلغته منه الهيئة العليا للإغاثة. وتسأل المصادر الوزارية عن التناغم بين الحملات التي يقودها بعض الوزراء في 8 آذار ضد النازحين وبين التي يتولاها السفير السوري لدى لبنان ضد وزارة الشؤون الاجتماعية، وتقول: «يبدو أن هناك من يستأخر إقرار الخطة لمساعدة النازحين السوريين بغية توفير الذرائع للمجتمع الدولي من أجل التردد في دعم تمويلها بذريعة أن المجموعات التكفيرية هي المستفيدة منها». وبكلام آخر، يتردد نقلاً عن مصادر وزارية أن من يعيق إقرار الخطة لمساعدة النازحين، يتطلع إلى إقحام لبنان في مسلسل جديد من الفوضى التي يمكن أن تترتب على من لا يجد من يقدم له العون في لبنان، لا سيما أن معارضي هذه الخطة يعدون منذ الآن للائحة جديدة من الاتهامات في حال حصول أي إرباك يحملون من خلالها المجموعات «الإرهابية» مسؤولية تهديد الاستقرار بغية تأليب الرأي العام ضدهم. وتؤكد المصادر أن هناك ضرورة لاستيعاب النازحين في خطة متكاملة لقطع الطريق على من يحاول استغلال وجودهم ليس للتحريض على فريق وإنما لتحميلهم المسؤولية الناجمة عن أي انفلاش يمكن أن تتسبب به حركة النزوح ما لم يُصر إلى توفير المساعدات لهم إضافة إلى التداعيات على الاستقرار العام كرد فعل على حرمانهم من الحد الأدنى من التقديمات. وتسأل هذه المصادر: «من يقود الحملات ضد النازحين؟ هل للبنان مصلحة في تحويلهم إلى قنبلة سياسية موقوتة بدلاً من استيعابهم؟ لأن من غير الجائز الدخول مع هؤلاء في معركة تصفية الحسابات لمصلحة النظام في سورية مع تقديرنا لخصوصة الوضع في لبنان وإصرارنا على أن وجودهم موقت ولأسباب محض إنسانية، بدلاً من أن نعطي مشروعية للاتهامات التي يسوقها السفير السوري في لبنان».