في ظل الاستعدادات للانتخابات المحليّة في العراق المرتقبة بعد أشهر قليلة، يبحث ناشطون مدنيون عن حل لما يعتبرونه أزمة تتمثّل في «تصويب» خيارات الناخبين. وثمة شعور غالب، ضمن وعي سياسي يطوّر نفسه في بلد مزّقه الديكتاتور ثم الصراعات الأهلية والوجود العسكري الأجنبي، بأنّ النخبة السياسيّة الحالية لم تعد صالحةً ولا تستحق فرصة جديدة. ويبدو أن هذا المزاج بات يتحول إلى مواقف، ويثمر صعود معارضة مدنية للفساد والتخبط السياسي. هكذا، استجاب أكثر من خمسة آلاف ناشطٍ عراقي لمشروع الناشط والكاتب شلش العراقي، ومعه عدد كبير من المثقفين والناشطين الذين يزعمون استقلالهم الحزبي، لإنشاء صفحة «+ صوتك» على موقع «فايسبوك». وفي التعريف نقرأ إن المشروع هو «مبادرة مدنية تهدف إلى تأسيس بنك للأصوات المدنية العراقية التي ترغب في العيش في دولة حديثة تحكمها القوانين وتقوم على أساس المواطنة». وتقدّم الصفحة الفايسبوكية آلية افتراضية لعملها من خلال دعوة مفادها أن: «احفظ الصوت مع أبناء بلدك ليكون له معنى»، في محاولة ل «كتابة التاريخ المدني للعراق». ويهدف هذا «البنك الرقمي للأصوات الانتخابية» إلى تنظيم الميول السياسية والمدنية المُعبّر هنا في هذه الأصوات الإلكترونية بحيث أن «وصول الصوت مع مليون صوت آخر، سيفرز مرشحين راغبين في المنافسة بقوة من أجل الفوز بهذه القوة الانتخابية، وفي تقديم برامج تلبي طموح أعضاء البنك». ويشترط المشروع أن يقدّم هؤلاء المرشحون الجدد، وبشفافية، «سيرهم الذاتية ومؤهلاتهم وحساباتهم المالية قبل الذهاب إلى الانتخابات الفعلية». وخلال أسبوع واحد، انضم إلى المبادرة أكثر من خمسة آلاف شخص. وهي تقدم فكرتها كمشروع إعلامي يساعد العراقيين في اختيار الأفضل. ومع أن الفكرة مشوبة بالدعاية لمن قد يحصلون على الثقة، خصوصاً قبيل جولات انتخابية في البلاد، فإن من يراقب منشورات الناشطين فيها يتعرف على رغبتهم في فرز الصوت المدني وإعلائه وإيصاله إلى أكبر فئة ممكنة من الناس... لكن ما هي احتمالات النجاح؟ يكتب الباحث العراقي المقيم في أميركا نبراس الكاظمي، إن «مبادرة + صوتك ستبدأ متواضعةً لكنها ستكون، لاحقاً، من العوامل المؤثرة في تغيير المشهد السياسي وإصلاحه». فيما يرى الكاتب والشاعر محمد غازي الأخرس، في باب تأييده للبنك الافتراضي، أنه سبيل إلى «عدم تكرار اللعبة السياسية السمجة التي منحت الفوز للسرّاق، ولو حصل أن تكررت فسنقرأ على البلاد السلام». ويقدّم «البنك» ضمانات لمن يريد تأمين صوته لديه، ومن بينها «تشجيع المترددين واليائسين من المدنيين على المشاركة في الانتخابات»، و «الضغط على القوى غير المدنية لتعديل برامجها والتخلي عن خطاباتها الطائفية والقومية». كما يسعى لتغيير خريطة التوقعات المتداولة بين محلّلين ومهتمين، في شأن الأحزاب التي قد تفوز في الانتخابات، إذ أنه يهدف إلى منح «الناخبين الذين منحوا أصواتهم لقوى غير مدنية وأصيبوا بالإحباط جراء فشل هذه القوى»، فرصة أكثر وعياً وانتقائية ليحسنوا الاختيار هذه المرة. واضح أن مثل هذه المبادرات لا تدلّ إلى حراك عراقي جديد نوعاً ما فحسب، بل أيضاً إلى الخيبة الكبيرة ممن وصلوا إلى سدة الحكم في البلاد، وشيوع الفساد، وصعود تيارات متطرفة، وما رافق سيطرتها من أعمال عنف واحتراب أهليّ. ولعل مبادرة «+ صوتك» محاولة لتبيان قوة مدنية معينة، وتحديد قدرة هذه الكتلة على المنافسة في الانتخابات. والبنك المفترض سيكون، بحسب الناشطين فيه، ملاذاً آمناً لمن يملك آراء سلبية في الحياة السياسية في البلاد. ولما كانت هذه المبادرة جديدةً على تقاليد العمل السياسي بين الشباب العراقي، فقد تكون هذه المرة الأولى في العراق التي يخرج فيها فصيل سياسي ذو اهتمامات مدنية، من رحم «فايسبوك»، ليُحسب حسابه ووزنه في صناديق الاقتراع.